للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه ماكثين فيه أبداً)

{قَيِّمًا} [الكهف:٢]: اختلف فيها، والأظهر أن معناه: مهيمن على الكتب كلها، ثم بين الله قائلاً: {لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} [الكهف:٢].

الإنذار: هو الإعلام المقترن بالتخويف والتهديد، فإذا كان غير مقترن بتخويف أو تهديد فلا يسمى إنذاراً وإنما يسمى إعلاماً، وعلى هذا فإن كل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذار.

{لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} [الكهف:٢] كلمة (بأس) وردت في القرآن على ثلاثة معانٍ، وردت بمعنى: اللأواء والشدة والتضييق، ومنه قول الله جل وعلا: {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} [البقرة:٢١٤]، ووردت بمعنى: العذاب، وهو صريح آية الكهف التي بين أيدينا: {لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} [الكهف:٢] ونظيره قول الله جل وعلا في سورة غافر: {فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} [غافر:٢٩] والمقصود: عذاب الله، وتأتي بمعنى القتال والمعركة، ويدل عليه قول الله جل وعلا في سورة الأحزاب: {وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب:١٨] أي: أنهم لا يشهدون المعركة إلا ليروك وجوههم ثم ينصرفون، ومعنى البأس في آية الأحزاب: القتال واحتدام المعركة، وفي آية سورة الكهف معنى البأس: هو العذاب، {لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} [الكهف:٢].

والفعل (أنذر) ينصب مفعولين: ذكر الله جل وعلا واحداً منهما وهو العذاب، ولم يذكر المعذبين، وسيأتي بعد ذلك: أن الله ذكر المعذبين ولم يذكر العذاب.

{لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} [الكهف:٢]، (شديداً): للتأكيد، وإلا كونه من عند الله، يكفي هذا قرينة على أنه شديد.

فلما ذكر الله الإنذار لأهل الكفر، ذكر البشارة لأهل الإيمان، فقال جل ذكره: {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} [الكهف:٢]، والأجر المذكور يحتمل خيري الدنيا والآخرة، لكن وجدت قرينة تدل على أن المقصود: الآخرة، وهي قول الله جل وعلا: {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} [الكهف:٣]، ومعلوم أن أجر ونعيم الدنيا لا خلود فيه، ولا يعني هذا أنه ليس لهم أجر في الدنيا، فقد جاء هذا في آيات أخر، لكن قوله جل ذكره: {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} [الكهف:٣]، قرينة على أن المقصود به: الأجر الأخروي.

وهذا يدفع طالب العلم إلى ألا يستعجل في التفسير حتى يقرأ الآية المراد تفسيرها كاملة حتى يستبين له من القرائن المصاحبة لما يريد تفسيره، ويتضح مراد الله جل وعلا من قوله.