للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم)]

ثم ذكر الله جل وعلا خبر أصحاب الكهف، وهي ما سميت السورة بسببه، والمؤمنون الذين أنزلت هذه السورة فيهم كانوا قلة يواجهون طغمة كافرة، فكان من تربيته لأوليائه والمؤمنين من عباده أن يبين لهم حال أقوام سابقين، كما ذكر للنبي أحوال الرسل، وقد ذكر للمؤمنين أحوال أناس قبلهم كيف صبروا على دين الله حتى يثبِّت قلوبهم، ويبين لهم أنهم ليسوا أول من سار على هذا الدرب، أو سلك هذا الطريق.

قال الله لنبيه: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} [الكهف:٩] (أم) بمعنى: بل، وأتي بها هنا لأمرين: للإضراب الانتقالي، ومعنى الإضراب الانتقالي: الانتقال من حديث إلى حديث، كما أُتي بها للاستفهام.

{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف:٩]، فكأن القرشيين سألوا النبي عن أصحاب الكهف باستعظام، وهذا الاستعظام جعل النبي عليه الصلاة والسلام، يعتقد أو يمر على خاطره، أو يجول بخلجه: أن أصحاب الكهف أعظم آيات الله.

فالله يقول لنبيه: أن خبر أصحاب الكهف، وإن كان خارقاً للعادات إلا أنه ليس أعظم الآيات، {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف:٩]، أي: ليسوا بأعجب آيات الله، فقد جعل الله جل وعلا آيات أعظم وأعجب وأشد في الذهن والخلد من نبأ أصحاب الكهف، وإن كان نبؤهم عجيباً.

وأصحاب الكهف طائفة، وقد أضافهم الله جل وعلا إلى شيئين: أضافهم إلى الكهف، وأضافهم إلى الرقيم.

والفجوة التي في وسط الجبل إذا ضاقت فهي غار، وإذا اتسعت فهي كهف: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف:٩]، وقد نسبهم الله جل وعلا إلى الكهف، والرقيم معطوف على الكهف، لكنه متعلق بأصحاب الكهف، ليس -كما فهم البعض- أن أصحاب الكهف طائفة وأصحاب الرقيم طائفة، وإنما هم طائفة واحدة، أضيفوا إلى الكهف باعتبار المكان الذي ناموا فيه، وأضيفوا إلى الرقيم عطفاً، باعتبار أن قومهم لما ظهروا عليهم دونوا أسماءهم، والأفضل أن يحمل اسم الرقيم على اللوح المكتوب فيه أسماؤهم، لا على القرية أو الوادي -كما قال بعض الفضلاء- والدليل على ذلك من القرآن، فإن أول ما نفسر به القرآن هو القرآن نفسه، وقد جاء ذكر الرقيم بمعنى المكتوب، كما قال الله جل وعلا: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين:١٩ - ٢٠]، فرقيم على وزن: فعيل بمعنى: مفعول، كما تقول: قتيل، بمعنى: مقتول، على وزن مفعول، فرقيم بمعنى مرقوم، أي: مكتوب.