للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً من لدني عذراً)

قال الله جل وعلا: {فَانطَلَقَا} [الكهف:٧٤]، أي: ما زالا سوياً، وليس هناك ذكر لـ يوشع بن نون في الآيات كما سيأتي، والله أعلم هل كان يوشع معهم وهو الأظهر، أو لم يكن معهم وهو بعيد، لكن سواء كان معهم أو لم يكن معهم فإن يوشع بن نون فتى موسى غير مقصود بالحكاية كلها؛ لأن موسى هو المقصود بالأمر، وإنما يوشع كان تبعاً لموسى، يخدمه ويقوم بشئونه.

قال الله جل وعلا: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا} [الكهف:٧٤]، ولا يتصور أنهم لقوا الغلام في البحر، ولكن المقصود أنهم تجاوزوا البحر، ودخلوا مدينة على شاطئ البحر، وقد مر معنا كثير مثله، وسميناه إيجاز حذف، وقلنا: إن القرآن فيه مساواة وفيه إطناب وفيه إيجاز، وكل ما يقتضيه السياق جاء في القرآن على أحد هذه الأنماط الثلاثة: الإيجاز أو الإطناب أو المساواة.

قال الله جل وعلا: ((حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ)) أي: قتل الخضر ذلك الغلام، فتعجب موسى، وهذه أكبر من أختها، أعظم من الأولى، قال: مستنكراً: ((أَقَتَلْتَ)) والهمزة للاستفهام، ((أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ))، لو قتلتها بنفس أخرى لكان القتل حق، لكنها نفس زكية قتلتها من غير جرم ولا ذنب يظهر لي.

{لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف:٧٤]، و (نكرا) أخت (إمرا) في استعظام الشيء، وفي القرآن -كما مر معنا- منكر ونكر، النكر: الشيء المستعظم على النفوس، الذي تتهول منه الأعين إذا رأته، وإن كان حقاً في ذاته.

أما المنكر فهو ضد المعروف، ولو أن النفس العاصية قبلته لكنه يبقى منكراً إذا كان على غير شريعة الله جل وعلا، فالمنكر: ما حرمه الله وذمه الله، ولو ألفته النفس.

والنكر: ما استعظمته النفس ولو كان حقاً في ذاته، وسيأتي هذا في بيان قصة ذي القرنين إن شاء الله تعالى.

{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} [الكهف:٧٥] زاد هاهنا قوله: (لك) {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} [الكهف:٧٦] الفاء عند النحويين واقعة في جواب الشرط، والأصل في جواب الشرط أن يخلو من الفاء، لكن الفاء تقع لأسباب منها أن يكون الفعل مبدوءاً بالطلب، وقوله: (فلا) للنهي، والنهي نوع من الطلب.

{قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} [الكهف:٧٦]، وهذا شرط التزم به موسى لنفسه، ولا ندري هل موسى ضجر من القضية فأراد أن ينهي الأمر، أو أن موسى عليه الصلاة والسلام أراد أن يلزم نفسه ألا يسأل الخضر أياً كان الأمر فقد كانت هذه آخر الحوادث التي مرت لموسى والخضر.

قال الله: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف:٧٦]، أي: لا عذر لي بعد ذلك إذا وصل الأمر إلى كونه ثابتاً.