للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا)]

ثم قال جل شأنه: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} [الكهف:١٠٢]، والهمزة هنا: همزة استفهام، والمقصود من هذا الاستفهام: التوبيخ، والمعنى العام: أفيحسب أولئك الذين عبدوا ما عبدوا من دون الله من ملائكة وأنبياء وأقوام صالحين، وجعلوهم أولياء من دون الله يعبدونهم ويعظمونهم ويصرفون لهم من الطاعات ما لا يجب ولا يجوز شرعاً صرفه إلا لله فصرفوه للأولياء، أيحسب بعد ذلك كله -والجواب محذوف- أنهم ناجون من العذاب وأنهم يتركوا، هذا لا يمكن أن يكون.

وجاء في الحديث الصحيح قال: (قال: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وقد خلقك) والملائكة والأنبياء الذين عبدوهم يتبرءون من أولئك الذين عبدوهم من دون الله، لكن الملائكة والأنبياء الذين عبدوا من دون الله لا يسمون طواغيت وهذا احتراز لا بد منه، وإنما يسمى طاغوت من رضي بتلك العبادة، ومن صرفت له طاعة وعبادة ورضي بها أو أمر بها، أما من لم يرض بها ولم يأمر بها أصلاً كما صنعت الملائكة وعيسى بن مريم وغيرهم ممن عبد من عبد من دون الله من الصالحين فلا يسمون طواغيتاً، وإنما الجرم كل الجرم على من جعلهم أولياء من دون الله.

{أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} [الكهف:١٠٢]، النزل: أول ما يقدم للضيف كالقهوة التي تقدم للضيف في عصرنا هذا، لكن القهوة شراب، وأحياناً تكون طعاماً كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن أول نزل أهل الجنة زيادة كبد النون) أي: زيادة كبد الحوت، ولا تكون مكاناً في الأصل لكن الله قال هنا: {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} [الكهف:١٠٢] فكأن جهنم هي أول ما يقدم للضيف، والحق أنني أقول: إن هذه الآية مر عليها المفسرون مروراً عادياً ولا يرون فيها إشكالاً، لكن نقول والعلم عند الله: إن هذه الآية مشكلة وكثير من آيات القرآن التي فيها جهنم فيها إشكال كبير ينتبه له أو لا ينتبه له، لكنني في صدد فهم نظريتها كاملة وقد وصلت إلى أكثرها لكنها لم تكتمل بعد، وسبب الإشكال أن الله يقول مثلاً في سورة تبارك: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} [الملك:٥]، ثم قال: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} [الملك:٦]، فكأن جهنم غير السعير، وقال الله في البروج -وكنت أتحاشى تفسيرها-: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:١٠]، فكأن عذاب جهنم غير عذاب الحريق، وقد يقول إنسان: إنها دركات، وهذا لا يعقل هنا؛ لأن المخاطب بها فئة واحدة والفئة الواحدة لا تنقسم، لكنني لست في عجلة في إظهار ما توصلنا إليه لكن نجعل هذه الآية أو فهمها معلقاً حتى حين، وكذلك الفردوس في القرآن تحتاج إلى إعادة نظر.

نقول: إن الله يقول هنا: {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} [الكهف:١٠٢]، وبينا أن النزل الذي عليه عامة أهل التفسير أنه أول ما يقدم لهم من مكان في النار؛ لأن النزل في اللغة هو أول ما يقدم للضيف.