للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى له الأسماء الحسنى)]

قال الله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:٧]، يقول بعض المفسرين: إن المعنى: أن الله يقول لنبيه: لا حاجة للجهر؛ فإن الله يعلم السر وأخفى، وأظنه معنى بعيداً على جلالة من قال به، وإنما المعنى: إخبار النبي بعظيم علم الله، أو أن يقال: إن الخطاب لقراء القرآن، وليس النبي صلى الله عليه وسلم مقصوداً به إلا في المقام الأول باعتبار أن القرآن أنزل عليه.

وقوله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} فيه: أن القول ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الجهر: وهو ما تعلنه وتقوله علانية فيسمعه من يرغب ومن لا ترغب، والسر: وهو ما تعلنه لكن تسمعه من ترغب فقط، هذا يسمى سراً، فلو أنني استدعيت أحدكم وأجلسته بجواري وأسمعته فأنا جهرت له بالقول حتى يسمعه، لكن لا يسمى جهراً بل يسمى سراً؛ لأنني أردت به شخصاً بعينه.

والثالث: ما هو أخفى من السر، وهو ما أسررته في نفسك ولم تخبر به أحداً، وهذا هو الذي قصده الله بقوله: ((فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) أي: ما هو أخفى من السر، وهو ما لم تخص به أحداً بعينه، فهذه مراتب القول، والمقصود بيان عظيم علم الرب جل وعلا.

قال تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:٧]، من هذا الذي يعلم السر وأخفى؟ {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه:٨]، وقد مر معنا أن لفظ الجلالة (الله) لم يتسم به أحد إلا الله، وهو معنى قول الله جل وعلا: {ِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥]، وقوله: ((لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى))، فالله جل وعلا له أسماء حسنى وصفات عليا، وجملة ما يمكن أن تفقه أيها المسلم أن تعلم أن الله جل وعلا وجهه أكرم الوجوه، وهذه اكتبها واعمل بها: وجهه أكرم الوجوه، وأسماؤه أحسن الأسماء، وعطيته أحسن العطايا، فتوسل إلى ربك بهذه الثلاث، قل: اللهم يا ذا الوجه الأكرم، والاسم الأعظم، والعطية الجزلاء، ثم سل الله ما شئت.

وقد ذكر من أسماء الله تعالى تسعة وتسعون، على خلاف بين العلماء في تحديدها، وبعض أهل التحقيق من أهل العلم يقول: إنها أكثر من تسعة وتسعين، وحجتهم ما جاء في الخبر الصحيح: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، فقالوا: إن لله أسماء استأثر بها في علم الغيب غير التسعة والتسعين التي أظهرها وبسطها لخلقه.

وفي هذا كله بيان لعظمة الجبار جل جلاله، وإظهار لبعض صفاته، وأن له كمال الأسماء وأجمل الصفات، وأنه أحق من عبد وأحق من شكر وأعظم من ملك وأوسع من أعطى.