للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى)

ثم قال البر الرحيم يذكر غضبه ويذكر رحمته: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:٨٢]، هذا القول الرباني من الله جل وعلا جاء بعد قوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:٨١ - ٨٢]، وقد يظن الناس من لم يؤت بضاعة في التفسير أن الأمر مرتب ترتيباً حرفياً، وإنما المقصود: أن الإنسان إذا وقر في قلبه الإيمان والأسف على ما كان منه من عصيان، ولزم الصراط المستقيم، هذا الذي هو أهل لأن يغفر الله جل وعلا له.

لكن الآية لا تعني الحصر، فإن الرب جل وعلا قد يغفر من غير ما سبب من العبد، وبعض أهل العلم -كما في شرح العقيدة الطحاوية- أجمل أسباب المغفرة إلى ثلاثة عشر سبباً، وجعل خاتمتها وأكملها بغفران الله تبارك وتعالى من غير سبب من العبد.

لكن هنا الله جل وعلا يذكر أعظم أسباب غفران الذنوب: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:٨٢]، وعلى هذا فإن الإنسان وهو يعمل العمل الصالح لا بد أن يكون في نفسه مستصحباً أنه يريد بالعمل الصالح غفران الذنوب، كما قال الله قبل ذلك على لسان السحرة: {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا} [طه:٧٣]، ونقول مراراً: إن المرء لا يحمل فوق كاهله شيئاً أشد عليه من ذنبه، ولهذا علق الله جل وعلا جوائز فضائل الأعمال بغفران الذنوب، فلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الحج وأخبر عما يجده العبد من عناء فيه، وأنه عبادة يجتمع فيها البدن والمال والقلب، قال صلى الله عليه وسلم: (رجع كيوم ولدته أمه)، فعلقها بمغفرة الذنوب؛ لأن الصالحين لا يؤرقهم شيء أعظم من أنهم يسألون الله جل وعلا غفران ذنوبهم.

إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك ما ألما ولما أراد الله أن يخبر ببعض كرامته على نبيه صلى الله عليه وسلم قال له: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:٢]، وهو عليه الصلاة والسلام يعلم الصديق فيقول له: أن يقول في دعائه: (اللهم إنني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم).

والمقصود: أن غفران الذنوب من أعظم ما يطلبه العبد من ربه تعالى.

إلى هنا ينتهي وضع عام في حياة بني إسرائيل ذكره الله جل وعلا، ثم يذكر الله تبارك وتعالى بعده مسارعة موسى -كما سيأتي تفصيلاً- إلى لقاء ربه.