للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فإنا قد فتنا قومك من بعدك فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي)]

قال الله تعالى لموسى: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} [طه:٨٥]، السامري من مبهمات القرآن، ولم يذكر إلا في سورة طه، وشخصيته جاءت في القرآن من حيث الجملة شخصية مبهمة، سواء في أول أمرها أو في خاتمة مطافها، وقد نسب الله الفتنة هنا إليه، ونسب الضلال إلى السامري، ويجب أن يحرر: أن الهداية والضلال بيد الله، فما السامري هنا إلا سبب جعله الله جل وعلا، كما جعل الملكين فتنة لبني إسرائيل بعد موسى: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:١٠٢]، فالشيطان مثلاً جعله الله جل وعلا من أسباب الغواية، والمال جعله الله جل وعلا فتنة، والنساء جعلهن الله جل وعلا في حق بعض الرجال فتنة.

والمقصود من هذا: أن الهداية بيد الله، أما هذا السامري فهو كان سبباً في غواية بني إسرائيل كما سيأتي التفصيل في موضعه، لكن الذي يعنينا هنا أن الله جل وعلا قال: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ} [طه:٨٥]، الخطاب هنا لموسى {وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه:٨٧ - ٨٨]، أي: أنه صنع لهم عجلاً له خوار، والعجل: ولد البقر، (وله خوار) الخوار هو صوت العجل، {فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه:٨٨]، (نسي): فعل ماض مبني على الفتح، ومن الذي نسي؟ الفاعل غير مذكور، فيصبح المعنى يحتمل عدة تأويلات، منها: أنهم قالوا: فنسي موسى أن يخبركم أن هذا إلهكم، هذا مراد أراده السامري، ومراد آخر: فنسي موسى أي: نسي أن هذا الإله وذهب يطلبه في مكان آخر، وهذا أقوى الاحتمالات، وقد ذكرت احتمالات أخر لكن هذه أقواها.

فالله جل وعلا ابتلى بني إسرائيل في الفترة التي تأخروا فيها عن إدراك موسى بأن عبدوا العجل، وعبادتهم للعجل هي مرادهم بقولهم في سورة البقرة: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} [البقرة:٨٠]، فهم يقولون: إنه محكوم لنا بالجنة، وأن النار لا تمسنا إلا أياماً معدودة هي الفترة التي عبدنا فيها العجل، ولأن عبادة العجل كانت مهلكة عظيمة لهم اشترط الله عليهم في التوبة أن يقتلوا أنفسهم، كما أخبر الله جل وعلا في سورة البقرة.

هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده، والله المستعان، وعليه البلاغ، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.