للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)]

بعد أن طمأن الله جل وعلا نبيه على الرزق، وأن ما كان لك سيأتيك على ضعفك، وما لم يكن لك لن تناله بقوتك قال له: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢]، الاصطبار: حبس النفس على شيء معين، ومن أعظم ما يمكن أن تراه عيناك شخص قد احدودب ظهره، وظهر الشيب في مفرقه، يتكئ على عصاه يطوف في حيه أو في مقر سكنه يأمر أهله بالصلاة هذا المنظر إذا رأيته يفيء إلى ذهنك قول الله جل وعلا عن نبي الله إسماعيل: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم:٥٥]، وقد كان هذا المنظر يرى كثيراً في الأحياء القديمة وفي المشايخ الكبار سناً، فليس شيخ علم ولكنك تراه يذكر من حوله بالصلاة في غدوه ورواحه، وهذا فيه دلالة وأمارة على القرب من الرب تبارك وتعالى.

وقوله جل وعلا: {وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:١٣٢] فيه أن الصلاة تحتاج إلى نوع من المصابرة، ولهذا قال الله: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:٤٥].

قال تعالى: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} [طه:١٣٢]، نحن نسألك العبادة، فقد كلفناك بأن تعبدنا ووعدناك بأن نرزقك، فلا تنشغل بما وعدناك به عما طلبناه منك، وإنما انشغل بما يعينك على آخرتك -وهي العبادة- عما تكفل الله جل وعلا لك به، ولا يعني هذا أن الإنسان يبقى قعيداً في بيته، لكن إذا سعى يسعى بقدر، وإذا أعطي من الدنيا لا ينبغي أن تقع في قلبه موقعاً متأصلاً جداً يخرجه عن طاعة الله جل وعلا.

قال الله جل وعلا: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢]، وعاقبة كل شيء مآله، لكنها تذكر في كلام الله في الغالب في الخير، ومعنى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢] أي: أن التقوى سبيل للعاقبة الحسنة.