للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مثل نور المؤمن]

قال الله: {مَثَلُ نُورِهِ} [النور:٣٥] هذا تقريب {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور:٣٥] والمشكاة هي الكوة التي في الجدار {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ} [النور:٣٥] وفي زماننا نطلق المصباح على الآلة كلها، وأما في لغة القرآن فالمصباح المراد به الفتيلة، وهذا ظاهر؛ لأن الله قال: {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} [النور:٣٥] والفتيلة تقع داخل الزجاجة.

قال تعالى: {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور:٣٥] لصفائه ونقائه {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ} [النور:٣٥]، فالله يشهد أن هذه الشجرة مباركة، أي: كثيرة النفع {زَيْتُونِةٍ} [النور:٣٥] وهذا بيان لنوع الشجرة؛ لأن الشجر المبارك كثير، فلما قال الله: {زَيْتُونِةٍ} [النور:٣٥] عرفنا أنها شجرة الزيتون، وأهل التاريخ يقولون: إنها أول شجرة نبتت بعد الطوفان، ودعا لها بالبركة سبعون نبياً، وموطنها الأرض المقدسة في الأرض المباركة في موطن الأنبياء، فموطنها الأول في الشام.

فالله يقول: هذا الزيت يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية، والشجرة الشرقية هي التي لا تتعرض للشمس حالة الغروب، والغربية عكسها.

وأما الشجرة التي تتعرض للشمس دائماً فهي التي لا تسمى شرقية ولا غربية، قال الله تعالى: {لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} [النور:٣٥].

ثم قال الله: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:٣٥] وخلاصة الأمر أن الكوة -المشكاة- هي قلب المؤمن، ويجتمع فيه نوران: نور الفطرة ونور الوحي والعلم من عند الله.

ففطرته ظاهرة عليه، وهذا معنى قول الله جل وعلا: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} [النور:٣٥]، وقوله: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور:٣٥] هو نور العلم والوحي والإيمان، على نور الفطرة.

قال تعالى: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:٣٥] وذلك لئلا يقول قائل: إن الأمر واضح، فنحن سنهتدي إليه، فأخبر الله جل وعلا أنه ليس الأمر كذلك، وإن كان واضحاً جلياً، فقال: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:٣٥] والإنسان ينبغي له أن يدرك أن المقصود لا يطلب إلا بالرب تبارك وتعالى.

فهذا مجمل ما دلت عليه الآية.