للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (والله خلق كل دابة من ماء)]

ثم قال ربنا -وهو أصدق القائلين-: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [النور:٤٥] فكل ما يميز وما لا يميز مما يمشي على الأرض يسمى دابة.

وأهم ما ينبغي أن يعرف في الآية أن الحجة العظيمة الأولى التي أقامها الله جل وعلا على أهل الإشراك هي كونه جل وعلا خالقاً، وما سواه مخلوقاً، فهذه أهم قضية ناقشها القرآن، قال الله: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ} [النحل:١٧]، وقال: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان:٣]، وقال: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:١١].

وأراد الله من هذا كله أن يقول لهم: إن العبادة الحقة لا يستحقها إلا من يخلق، فما دام أنه لا أحد يخلق إلا الله فمن المقطوع به ألا يعبد أحد بحق إلا الله.

هذا الذي أراده الله من إثبات قدرته على الخلق، حتى يقيم الحجة على عباده، فكيف تلتفون إلى من لا يخلق فتعبدونه وتتركون من يخلق؟! وقد قال الله جل وعلا: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الحجر:٨٥] قال العلماء: قوله: (إلا بالحق) لإثبات أن الله وحده هو الخالق، فلا يستحق العبادة غيره.

وقال تعالى هنا: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [النور:٤٥]، وقال في الأنبياء: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:٣٠].

فالماء في سورة الأنبياء اسم جنس، أما هنا فليس اسم جنس، ولهذا جاء نكرة، ففي سورة الأنبياء يتكلم عن جنس المخلوقات، أما هنا فلم يتكلم عن جنس المخلوقات، بل يحدد ماهية المخلوقات، بدليل قوله تعالى بعدها: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [النور:٤٥] و (من) تستخدم للعاقل، وسوغ استخدامها لغير العاقل أن الله جل وعلا تكلم عن الدواب، والدواب يدخل فيها العاقل من بني آدم، فبالتغليب أدخل غير العاقل.

قال الله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [النور:٤٥] مثل الحيات، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ} [النور:٤٥] مثل بني آدم وبعض الحيوانات، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} [النور:٤٥].