للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم)]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي تقدست عن الأشباه ذاته، ودلت على وجوده آياته ومخلوقاته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وعليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فهذا خاتمة الدروس المتعلقة بسورة النور، وسورة النور سورة جليلة عظيمة كنا قد من الله علينا من قبل بالحديث عما فيها من أحكام وآداب ومواعظ، وسنختم هذا الدرس بالحديث عن خواتم هذه السورة المباركة، قال الله جل وعلا -وهو أصدق القائلين-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:٥٨].

هذه الآية آية استئذان جاءت بعد آيات استئذان سبقت، والنداء فيها -كما مر معنا- نداء كرامة، والنداء يكون نداءً عاماً، كقوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة:٢١]، وقوله تبارك وتعالى: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف:٢٦].

أما إذا قال الرب جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:١٠٤]، فهذا يسمى نداء كرامة، لا نداء علامة؛ لأن الله جل وعلا كرم عباده الأوفياء المتقين بأنهم آمنوا به.

يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} [النور:٥٨] والمخاطب هم الذين آمنوا، والمطلوب منهم أن يستأذنهم طائفتان: الأولى: العبيد والجواري، وعبر عنهم بقوله: (بالذين ملكت أيمانكم).

والثانية: الأطفال الأحرار، وعبر عنهم بقوله: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} [النور:٥٨] أي: من المؤمنين الأحرار، وخصصناها بالأحرار لأن العبيد والجواري قد مضى الحديث عنهم بقوله: {الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور:٥٨].

وقوله: (ليستأذنكم) اللام في الفعل لام الأمر، فهل هذا الأمر للوجوب أو للتعليم والإرشاد والذي عليه الجمهور أن اللام هنا لام أمر، والأصل فيه الوجوب.