للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أوقات استئذان الأطفال والعبيد]

يقول الله تعالى في بيان الحالات الثلاث: {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} [النور:٥٨] والعورة سميت عورة لأن إظهارها يجلب المذمة والعار، وتسمى سوءة؛ لأن إظهارها يسوء الرجل الحر العاقل.

وسماها الله جل وعلا ثلاث عورات لأن غالب حياة الناس أن هذه الثلاث العورات يحصل فيها من التكشف والخلل في الستر ما لا يحصل في غيرها؛ لأنها أوقات راحة ونوم، وقد يكون الرجل فيها مع أهله.

فقول الله جل وعلا: {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ} [النور:٥٨] هذا وقت نوم، فإن قائل كيف تقول: إن قبل صلاة الفجر وقت نوم؟! فالجواب أن هذا هو الأصل، وإن كان سحراً، إذ السحر قسمان: سحر مرتبط بصلاة الفجر، فالأصل فيه النوم.

تقول عائشة عن هذا الوقت: (ما ألفيته إلا راقداً عندي) تعني النبي صلى الله عليه وسلم.

وصلاة داود الليل كان يفصل بينهما وبين صلاة الفجر النوم.

قال تعالى: {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ} [النور:٥٨] ولم يقل ربنا: (وحين تضعون ثيابكم من قبل صلاة الفجر) ولم يقل: (حين تضعون ثيابكم من بعد صلاة العشاء)؛ لأن وضع الثياب في هذين الوقتين أمر معهود معلوم، فذكر وقت الظهيرة جل وعلا، فدل على غيره من باب أولى، فإذا كان التقليد السائد المتفق مع الفطرة البشرية أن الناس تضع ثيابها عند الظهيرة فمن باب أولى أن توضع الثياب من قبل صلاة الفجر، ومن بعد صلاة العشاء.

على والقرآن غالباً لا يقدم ذكر الشيء الظاهر، وإنما يقدم ما هو خفي، فإن قلت: أين الدليل؟ ف

الجواب

الدليل في سورة البقرة، فالله جل وعلا قال في البقرة: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:١٠٣] فحدد وقتها.

وقال في البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٨٣] ثم قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة:١٨٥] بعد أن قال: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:١٨٤]، فحدد الصيام في رمضان.

وعندما ذكر الحج في نفس السورة قال تباركت أسماؤه وجل ثناؤه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:١٩٧] وما قال جل وعلا: شوال وذو القعدة وذو الحجة، وهي الأشهر التي قال الفقهاء: إنها أشهر الحج، لأن العرب لم تكن تصلي ولم تكن تصوم، فحدد لهم أزمنة الصلاة وأزمنة الصيام، ولكنهم كانوا يحجون، ولهذا قال: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة:١٩٩].

فلما كانت أشهر الحج لا يجهلها أحد ممن خوطب بالقرآن أولاً لم يذكر الله أشهر الحج، بل قال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:١٩٧] أي أنها مشتهرة معروفة لا تحتاج إلى بيان.

فوضع الثياب من الظهيرة يختلف الناس فيه، فحدده ودل على غيره من باب أولى.