للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وكم أرسلنا من نبي في الأولين)]

ثم قال الله: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} [الزخرف:٦ - ٧] (كم) هنا خبرية وقد مرت معنا كثيراً، والمراد بها التكثير، وهي مضادة لكم الاستفهامية، والفرق الجلي بينهما: أن الأولى -أي: الاستفهامية- تحتاج إلى جواب، وأما (كم) الخبرية فلا تحتاج إلى جواب، قال الفرزدق يهجو جريراً: كم خالة لك يا جرير وعمة فدعاء قد حلبت عليَّ عشاري أراد الكثرة.

{وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ} [الزخرف:٦] (من) هنا لبيان الجنس، {فِي الأَوَّلِينَ} [الزخرف:٦] أي في الأمم التي سبقت، {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} [الزخرف:٧] هذه الآية وأضرابها داخلة في باب التسلية والتعزية لنبينا صلى الله عليه وسلم، وفواتيح سورة الزخرف تحدثت عن صدق القرآن، وأنه منزّل من عند الله جل وعلا، وقد أجبنا في حديثنا عن مسائل عدة منها القضية الأساسية العقدية وهي قول المعتزلة بأن القرآن مخلوق، والمعتزلة -من باب الاستطراد- بعض أهل الفرق أخذوا عنهم شيئاً مما تبنوه، والخوارج الأولون أقرب الناس إلى عقائد المعتزلة، فأكثرهم متفقون على القول بخلق القرآن، وبعض الخوارج في زماننا كذلك ما زالوا ينفون رؤية الله يوم القيامة، ويقولون بخلق القرآن، وإن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، وأما المعتزلة فيقولون: إنه في الدنيا في منزلة بين منزلتين، وهناك كتاب لأحد خوارج الفرق المعاصرة تبنى قول الخوارج السابقين اسمه (الحق الدامغ)، وهذا الكتاب يقوم على ثلاثة مبادئ: إثبات أن القرآن مخلوق، وإثبات أن مرتكب الكبيرة كافر، وإثبات أن الله لا يُرى يوم القيامة، فأما الرد على أن القرآن مخلوق فقد حررنا كثيراً منه الآن، وأما بيان أن مرتكب الكبيرة تحت المشيئة كما هو قول أهل السنة فهذا قد بيناه في دروس سلفت، وكذلك بينا قضية أن الله تبارك وتعالى يُرى يوم القيامة ورددنا على ما يسمى بلن الزمخشرية.

هذا بعض ما يسر الله إعداده، وأعان الله على قوله حول فواتح سورة الزخرف، نفعنا الله وإياكم بما نقول، وجعلنا الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.