للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (الذي جعل لكم الأرض مهداً)

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا} [الزخرف:١٠]، والمهد في الأصل: ما يوضع فيه الصبي، فجعل الله الأرض بالنسبة للناس كالمهد بالنسبة للصبي، وهذا من حيث الصناعة البلاغية يسميه البلاغيون: التشبيه البليغ.

ومعلوم أنه لا بد من مشبه ومشبه به وأداة تشبيه ووجه شبه، فذكر الله هنا: المشبه والمشبه به، فشبه الأرض بالمهد، ولم يذكر الأداة، فلم يقل: الذي جعل لكم الأرض كالمهد، فحذف الكاف وحذف وجه الشبه وهو: إيواؤها للناس، كما أن المهد يأوي الرضيع ويحويه.

فلما حذف ربنا في كلامه أداة التشبيه ووجه الشبه -وفق منطق البلاغيين- هذا يسمى تشبيهاً بليغاً، {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} [الزخرف:١٠] أي: طرائق، {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الزخرف:١٠] أي: من خلال هذه الطرائق لعلكم تهتدون بالمقدورات على القادر، بالمقدورات المسخرة المخلوقات المدبرة لكم تهتدون بالدلالة بها على القادر.

وقد عرفوا ربهم لكنهم ما صرفوا العبادة له، فأتوا بتوحيد الربوبية وتوقفوا عنده، فلم ينفعهم شيء بل ازدادت الحجة عليهم، ثم مضت الآيات -وهذا النوع يسمى: الإطناب، وقد مر معنا تقسم الكلام إلى إيجاز ومساواة وإطناب- في حديث الله عن نفسه.