للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله)]

قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [البقرة:٩١] أي القرآن.

{قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا} [البقرة:٩١] أي التوراة.

{وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ} [البقرة:٩١] أي بما سواه.

{وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة:٩١] الألف واللام في الحق للجنس، لكن ينبغي أن يفهم أنها تحمل هنا معنى الاشتهار، وأحياناً الألف واللام تتضمن معنى الاشتهار والعرف حتى يصبح كأنه معنى من معاني الحصر، قال حسان يهجو رجلاً: وإن سنام المجد من آل هاشم بنو بنت مخزوم ووالدك العبد لم يقصد أن العبودية محصورة في والد المذموم، لكن قصده أن والدك اشتهر بالعبد فإذا أطلق لفظ العبد ينصرف إليه بصورة أولية، فالله يقول هنا: (وهو الحق) أي أن الحق إذا أطلق اشتهر به الدين والقرآن الذي جاء به محمد، لا حصر الحق فيه؛ لأن الله جل وعلا حق، فقال الله جل وعلا في هذه الآية: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ} [البقرة:٩١] أي بما سواه.

{وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} [البقرة:٩١] حال.

ويصح أن تقول في غير القرآن: مصدقٌ على أنها خبر، لكنها هنا حال مؤكدة على مذهب سيبويه، والحال تقع مؤكدة وتقع مؤسسة.

أراد الله أن يجيب عليهم فقال: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:٩١] معنى الآية من حيث الإجمال أنهم قالوا: قالوا أليس محمد يقول: إن التوراة حق؟ قلنا: بلى.

قالوا: إذاً بما أن التوراة حق فيكفينا أن نكون مؤمنين بالتوراة، ولا حاجة لنا بالقرآن، لأننا دخلنا في أصل الإيمان! هذا صنيعهم ودعواهم، قال الله جل وعلا لهم: إن التوراة لا يمكن أن تأمركم بقتل نبي، فإن كنتم تعتقدون أنه يكفيكم الإيمان بالتوراة: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:٩١] أي أن إيمانكم بالتوراة ليس إيماناً حقيقياً.