للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عبرة وشغل، أخرجه ابن أبي حاتم (١).

وفي الآية دليل على أن الإشتغال بالدنيا والمكاثرة بها والمفاخرة فيها من الخصال المذمومة، والشرع دل على أن التكاثر والتفاخر في السعادات الحقيقية غير مذموم، فيجوز للإنسان أن يفتخر بطاعاته وحسن أخلاقه إذا كان يظن أن غيره يقتدي به.

وقال سبحانه ألهاكم التكاثر ولم يقل عن كذا بل أطلقه لأن الإطلاق أبلغ في الذم لأنه يذهب فيه الوهم كل مذهب، فيدخل فيه جميع ما يحتمله المقام، لأن حذف المتعلق مشعر بالتعميم كما تقرر في علم البيان.

والمعنى أنه شغلكم التكاثر عن علم كل شيء يجب عليكم الإشتغال به من طاعة الله.

والعمل للآخرة، وعبر عن موتهم بزيارة المقابر لأن الميت قد صار إلى قبره كما يصير الزائر إلى الموضع الذي يزوره، هذا على قول من قال إن معنى زرتم المقابر متم، وأما على قول من قال إن معنى زرتم المقابر، ذكرتم الموتى وعددتموهم للمفاخرة والمكاثرة فيكون ذلك على طريق التهكم بهم وقيل إنهم كانوا يزورون المقابر فيقولون هذا قبر فلان وهذا قبر فلان يفتخرون بذلك.


(١) روى مسلم في " صحيحه " رقم (٢٩٥٨) عن مطرف عن أبيه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ (ألهاكم التكاثر)، قال: " يقول ابن آدم: مالي، مالي (قال) وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت ". وروى مسلم أيضاًً رقم (٢٩٥٩) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " يقول العبد: مالي، مالي، إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى (ادخره لآخرته) وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس ". وروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله ".

<<  <  ج: ص:  >  >>