للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قل لمن ما في السموات والأرض) هذا احتجاج عليهم قاطع، وتبكيت لهم ساطع، لا يقدرون على التخلص منه أصلاً (ولمن) خبر مقدم والمبتدأ ما وهي بمعنى الذي، وجملة (قل لله) تقرير لهم وتنبيه على أنه المتعين للجواب بالاتفاق بحيث لا يتأتى لأحد أن يجيب بغيره كما نطق به قوله (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولُنّ الله). وإذا ثبت أن له ما في السموات والأرض إما باعترافهم أو بقيام الحجة عليهم فالله قادر على أن يعاجلهم بالعقوبة ولكنه (كتب على نفسه الرحمة) أي: وعد بها فضلاً منه وتكرماً لا أنه مستحق عليه وذكر النفس هنا عبارة عن تأكد وعده وارتفاع الوسائط دونه. وفي الكلام ترغيب للمتولين عنه إلى الإقبال إليه وتسكين خواطرهم بأنه رحيم بعباده لا يعاجلهم بالعقوبة وأنه يقبل منهم الإنابة والتوبة، ومن رحمته لهم إرسال الرسل وإنزال الكتب ونصب الأدلة.

وقد أخرج مسلم وأحمد وغيرهما عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " خلق الله يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة منها رحمة يتراحم بها الخلق وتسعة وتسعون ليوم القيامة فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة " (١).

وثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

" لما قضى الله الخلق وكتب كتاباً فوضعه عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي " (٢) وقد روى من طرق أخرى بنحو هذا.

قيل معنى الجملة القسم، وعلى هذا فقوله (ليجمعنكم) جوابه لما تضمنه معنى القسم وقال الزجاج: إنها بدل من الرحمة لأنه فسره بأنه أمهلكم


(١) مسلم ٢٧٥٣.
(٢) صحيح الجامع الصغير ٥٠٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>