للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أفعاله حتى أخبركم به وأعرفكم بما سيكون في مستقبل الدهر (ولا أقول لكم إني ملك) من الملائكة حتى تكلفوني من الأفعال الخارقة للعادة ما لا يطيقه البشر كالرقي في السماء أو حتى تعدوا عدم اتصافي بصفاتهم قادحاً في أمري.

والمعنى أني لا أدعي شيئاً من هذه الأشياء الثلاثة حتى تقترحوا عليّ ما هو من آثارها وأحكامها وتجعلوا عدم إجابتي إلى ذلك دليلاً على عدم صحة ما أدعيه من الرسالة التي لا تعلق لها بشيء مما ذكر قطعاً، بل إنما هي عبارة عن تلقي الوحي من جهة الله تعالى والعمل بمقتضاه فحسب كما سيأتي.

وليس في هذا ما يدل على أن الملائكة أفضل من الأنبياء، وقد اشتغل بهذه المفاضلة قوم من أهل العلم ولا يترتب على ذلك فائدة دينية ولا دنيوية، بل الكلام في مثل هذا من الاشتغال بما لا يعني ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

(إن أتبع إلا ما يوحى إليّ) وقد تمسك بذلك من لم يثبت اجتهاد الأنبياء عملاً بما يفيده القصر في هذه الآية والمسألة مدونة في الأصول والأدلة عليها معروفة، وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " أوتيت القرآن ومثله معه " (١).

(قل هل يستوي الأعمى والبصير) هذا الاستفهام للإنكار والمراد أنه لا يستوي الضال والمهتدي أو المسلم والكافر أو العالم والجاهل أو من اتبع ما أوحي إليه ومن لم يتبعه، والكلام تمثيل، قال قتادة الأعمى الكافر الذي عمي عن حق الله وأمره ونعمه عليه، والبصير العبد المؤمن الذي أبصر بصراً نافعاً فوحد الله وحده وعمل بطاعة ربه وانتفع بما آتاه الله.

(أفلا تتفكرون) في ذلك الكلام الحق حتى تعرفوا عدم الاستواء بينهما فإنه لا يلتبس على من له أدنى عقل وأقل تفكر.


(١) صحيح الجامع الصغير ٢٦٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>