للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اعتقاداً منه أن عنصر النار أفضل من عنصر الطين لأنها جسم نوراني.

وقد أخطأ عدو الله فإن عنصر الطين أفضل من عنصر النار من جهة رزانته وسكونه وطول بقائه، وفيه الأناة والصبر والحلم والحياء والتثبت، والنار خفيفة مضطربة سريعة النفاذ وفيها الطيش والارتفاع والحدة. ومع هذا فهو موجود في الجنة دونها وهي عذاب دونه، وهو محتاج إليه ليتحيز فيه وهو مسجد وطهور، والتراب عدة الممالك، والنار عدة المهالك، والنار مظنة الخيانة والإفناء والطين مئنة الأمانة والإنماء، والطين يطفئ النار ويتلفها والنار لا تتلفه، وهذه فضائل غفل عنها اللعين حتى زل بفاسد من القياس.

وقال النسفي: والقياس مردود عند وجود النص. وقياس إبليس عناد للأمر المنصوص خارج عن الصواب انتهى.

ولولا سبق شقاوته وصدق كلمة الله عليه لكان له بالملائكة المطيعين لهذا الأمر أسوة وقدوة فعنصرهم النوري أشرف من عنصره الناري.

عن عكرمة قال: خلق إبليس من نار العزة، وقد ثبت في الصحيح من حديث عائشة قالت: " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من نار وخلق آدم مما وصفه لكم، " (١) وقال ابن سيرين: ما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس.

وأصل هذا القياس الذي قاسه إبليس أنه رأى النار أفضل من الطين وأقوى ولم يدر أن الفضل ليس بالأصل والجوهر بل بالطاعة وقبول الأمر، فالمؤمن الحبشي خير من الكافر القرشي وقد خص الله آدم بأشياء لم يخص بها غيره وهو أنه خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شيء وأورثه الإجتباء والتوبة والهداية إلى غير ذلك للعناية التي سبقت له في القدم، وأورث إبليس كبره اللعنة والطرد للشقاوة التي سبقت له في الأزل.

وقال الحسن في الآية أول من قاس إبليس، وإسناده صحيح إلى


(١) مسلم، ٢٩٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>