للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والجهة الثانية (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا) أي ولم يتبعك أحد من الأشراف فليس لك مزية علينا باتباع هؤلاء الأراذل لك، والأراذل جمع أرذل بضم الذال وأرذل جمع رذل بسكونها مثل أكالب واكلب وكلب فهو جمع الجمع، وقيل الأراذل جمع أرذل كالأساود جمع أسود، وهم السفلة كالحاكة والأساكفة، والأرذل الأدون من كل شيء فقال النحاس الأراذل الفقراء والذين لا حسب لهم والحسب الصناعات.

وقال الزجاج: نسبوهم إلى الحياكة ولم يعلموا أن الصناعات لا أثر لها في الديانة لأن الرفعة في الدين ومتابعة الرسل لا تكون بالشرف والمال والمناصب العلية بل للفقراء الخاملين وهم أتباع الرسل ولا تضرهم خسة صنائعهم إذا حسنت سيرتهم في الدين، وهذه عادة الله في الأنبياء والأولياء أن أول من يتبعهم ضعفاء الناس لذلهم فلا يتكبرون عن الاتباع بمال ولا جاه.

وقال ثعلب عن ابن الأعرابي: السفلة هو الذي يصلح الدنيا بدينه قيل له فمن سفلة السفله، قال: الذي يصلح دنيا غيره بفساد دينه.

والظاهر من كلام أهل اللغة أن السفلة هو الذي يدخل في الحرف الدنية، والرؤية في الموضعين أن كانت القلبية فبشراً في الأول واتبعك في الثاني هما المفعول الثاني، وإن كانت البصرية فهما منتصبان على الحال.

(بادي الرأي) أي في ظاهر الرأي من غير تعمق، يقال بدا يبدو إذا ظهر قال الأزهري: معناه فيما يبدو لنا من الرأي، وقيل أول الرأي قرئ بالهمز وتركه وهما سبعيتان ونصبه على الظرف أي وقت حدوث أول رأيهم.

والوجه الثالث من جهات قدحهم في نبوته (وما نرى لكم علينا من فضل) بالمال والشرف والجاه والرأي خاطبوه في الوجهين الأولين منفرداً، وفي هذا الوجه خاطبوه مع متبعيه، ثم أضربوا عن الثلاثة المطاعن وانتقلوا إلى ظنهم المجرد عن البرهان الذي لا مستند له إلا مجرد العصبية والحسد واستبقاء ما هم فيه من الرياسة الدنيوية فقالوا (بل نظنكم كاذبين) فيما تدعونه، ويجوز

<<  <  ج: ص:  >  >>