للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قال الذين كفروا للذين آمنوا) استهزاء بهم وتهكماً بقولهم.

(أنطعم من لو يشاء الله أطعمه)؟ أي من لو يشاء الله رزقه؟ وقد كانوا سمعوا المسلمين يقولون: إن الرازق هو الله، وإنه يغني من يشاء ويفقر من يشاء، فكأنهم حاولوا بهذا القول الإلزام للمسلمين، وقالوا: نحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله وهذا غلط منهم ومكابرة ومجادلة بالباطل فإن الله سبحانه أغنى بعض خلقه وأفقر بعضاً ابتلاء، فمنع الدنيا من الفقير لا بخلاً، وأعطى الدنيا للغني لا استحقاقاً وأمر الغني أن يطعم الفقير وابتلاه به فيما فرض له من ماله من الصدقة ولا اعتراض لأحد في مشيئة الله وحكمته في خلقه. والمؤمن يوافق أمر الله.

وقولهم: من لو يشاء الله أطعمه هو وإن كان كلاماً صحيحاً في نفسه ولكنهم لما قصدوا به الإنكار لقدرة الله وإنكار جواز الأمر بالإنفاق مع قدرة الله كان احتجاجهم من هذه الحيثية باطلاً.

(إن أنتم) في قولكم لنا ذلك مع معتقدكم هذا (إلا في ضلال مبين) أي بين وهذا من تمام كلام الكفار، والمعنى أنكم أيها المسلمون في سؤال المال وأمرنا بإطعام الفقراء لفي ضلال في غاية الوضوح والظهور، وقيل: هو من كلام الله سبحانه جواباً على هذه المقالة التي قالها الكفار، وقيل: هو من قول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم:

وقال القشيري والماوردي: إن الآية نزلت في قوم من الزنادقة وقد كان في كفار قريش وغيرهم من سائر العرب قوم يتزندقون فلا يؤمنون بالصانع فقالوا هذه المقالة استهزاء بالمسلمين ومناقضة لهم، وحكى نحو هذا القرطبي عن ابن عباس ولهذا أظهر في مقام الإضمار قيل: كان العاص بن وائل السهمي إذا سأله المسكين قال له: اذهب إلى ربك فهو أولى مني بك، ويقول: قد منعه الله أفأطعمه أنا (١).


(١) ذكر هذا المعنى الخازن في تفسيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>