للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقوال المفسرين

تفسير الإمام ابن كثير:

قال رحمه الله عند قوله تعالى: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (٤٠) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) أي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب فإنما عليها وزرها لا يحمله عنها أحد كما قال: (وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى) (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) أي كما لا يحمل عليه وزر غيره كذلك لا يحصل له من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه.

قال: ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولو كان خيراً لسبقوا إليه وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء: فأما الدعاء والصدقة فذلك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما.

وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية من بعده أو علم ينتفع به ". فهذه الثلاثة في الحقيقة من سعيه وكده وعمله كما جاء في الحديث: " أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وأن ولده من كسبه " (١) والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه، وقد قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس هو أيضاًً من سعيه


(١) أحمد ١/ ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>