للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسلم كما صح عنه من قوله: " يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا " (١).

وإذا تقرر لك هذا فاعلم أن الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) هو أن كل ذنب كائناً ما كان ما عدا الشرك بالله مغفور لمن شاء الله أن يغفر له، على أنه يمكن أن يقال إن إخباره لنا بأنه يغفر الذنوب جميعاً يدل على أنه يشاء غفرانهما جميعاً، وذلك يستلزم أنه يشاء المغفرة لكل المذنبين من المسلمين فلم يبق بين الآيتين تعارض من هذه الحيثية.

وأما ما يزعمه جماعة من المفسرين من تقييد هذه الآية بالتوبة وأنها لا تغفر إلا ذنوب التائبين، وزعموا أنهم قالوا ذلك للجمع بين الآيات فهو جمع بين الضب والنون وبين الملاح والحادي، وعلى نفسها براقش تجني.

ولو كانت هذه البشارة العظيمة مقيدة بالتوبة لم يكن لها كثير موقع فإن التوبة من المشرك يغفر الله له بها ما فعله من الشرك بإجماع المسلمين، ولذا قال (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فلو كانت التوبة قيداً في المغفرة لم يكن للتنصيص على الشرك فائدة، وقد قال سبحانه (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) قال الواقدي المفسرون كلهم قالوا إن هذه الآية في قوم خافوا إن أسلموا أن لا يغفر لهم ما جنوا من الذنوب العظام كالشرك وقتل النفس ومعاداة النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: هب أنها في هؤلاء القوم فكان ماذا؟ فإن الاعتبار بما اشتملت عليه من العموم، لا بخصوص السبب، كما هو متفق عليه بين أهل العلم، ولو كانت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مقيدة بأسبابها غير متجاوزة لها لارتفعت أكثر التكاليف عن الأمة، إن لم ترتفع كلها واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله وفي السنة المطهرة من الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما في هذا الباب ما لو عرفه المطلع عليه حق معرفته وقدره حق قدره علم صحة


(١) البخاري ٤/ ٢٦ - ٥/ ١٠٨ - ٧/ ١٠١ - ٨/ ١١٤ مسلم ٥/ ١٤١ - أحمد ٤/ ٤١٢ - ٤/ ٤١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>