للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقل منتبه ذرب اللسان كأنه الجذع فسلم على معاوية بالخلافة، فرحب به معاوية وقال له: أني أردت اتخاذك مؤدباً لي وسميراً ومقوماً، وانا باعث إلى أهلك وأنقلهم إلى جواري وكن لي سميراً في ليلي ووزيراً في أمري. قال: يا أمير المؤمنين (رأيتني ورأيت رحلي) فأرسلها مثلاً في العرب، قال له معاوية: فذلك أخف لمئونتك وأحلى للزومك. فأمر به معاوية فأنزله في قربه وأخدمه وأمر من يجري وضيفته ووسع عليه وألطفه. فإذا كان ذلك في وقت السمر فهو سميره في خاصته من أهل بيته وكان يقصر عليه ليله ويذهب عنه همومه وأنساه على كل سمير كان قبله ولم

يخر على قلبه شيء قط إلا وجد عنده فيه شيئاً وفرحاً ومرحاً. فإذا به كان يحدثه وقائع العرب وأشعاره وأخباره أمر أهل ديوانه وكتابه أن يوقعوه ويدونه في الكتب. فبينما هو ذات يوم في مجلس لمعاوية وفيه عمرو بن العاص وجماعة من قريش - وقد أخذوا في الحديث وعبيد بن شرية يحدثهم - قال له معاوية: كما أتى عليك من العمر يا عبيد؟ قال: كثيراً يا أمير المؤمنين، كفاك إنه لم يبق جرهمي غيري أتى علي مائة سنة وخمسون سنة. قال له معاوية: هل شهدت دخول الحبشة ورجمها البيت الحرام؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. إنما كان ذلك بالأمس، ولقد أدركت عامة ملوك لخم وكندة وحمير وغسان. قال له معاوية: حدثني يا عبيد كيف كانت الجاهلية باليمن ولم يكن لبنى معد بن عدنان معهم ذكر ولم يظفروا منها طائل؟ قال: يا أمير المؤمنين، ومثلك يجهل هذا إنما كانت مضر بالأمس وكانت اليمن وملكت ولم يكن مضر ولا معد ولا عدنان ولا إسماعيل، إنما اليمن من ولد هود واسمه بالسريانية عابر وبينه وبين

<<  <   >  >>