للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه أبلغ من قولك (أنت لا تخفر الذمم). وليس فرق بين قوله تعالى (ليس كمثله شيء) وبين قوله (ليس كالله شيء) إلا من الجهة التي نبهنا عليها فاعرفها.

[الفرع الثالث من الأرداف]

وهو ما يأتي في جواب الشرط، وذلك من ألطف الكنايات وأحسنها، فمن هذا قوله - تعالى -: (وقال الذين أوتوا العلم لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث) كأنه قال (إن كنتم منكرين يوم البعث فهذا يوم البعث) فكنى بقوله (فهذا يوم البعث) عن بطلان قولهم وكذبهم فيما ادَّعوا، وذلك رادف له ونظيره قولك (تنكر حضور زيد فهاهو) أي فأنت كاذب. وهذا من دقائق الكناية، فاعرفه.

[الفرع الرابع من الأرداف]

وهو الاستثناء من غير موجب: وذلك من غرائب الكناية كقوله - تعالى -: (ليس لهم طعام إلا من ضريع) الآية، والضريع نبت ذو شك تسمية قريش (الِشبرق) في حالة خضرته وطراوته فإذا يبس سمته العرب (الضريع) والإبل ترعاه طرياً ولا تقربه يابساً. والمعنى ليس لهم طعام أصلاً، لأن الضريع ليس بطعام البهائم فضلاً عن الإنس. وهذا مثل قولك: (ليس لفلان ظل إلا الشمس) تريد ذلك نفي الظل عنه كما هو. وذكر الضريع، رادف لانتفاء الطعام. وعلى نحو من هذا جاء قول بعضهم:

وتفردُوا بالمكرمات فلم يكن ... لسواهم منها سوى الحرمان

والمراد نفي المكرمات عن سواهم، لأنه إذا كان لهم الحرمان من المكرمات فما لهم منها شيء البتة، وأمثال ذلك كثير فاعرفها.

<<  <   >  >>