للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وآيات القرآن الكريم جميعها فصلت هكذا، كقوله تعالى (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير). وكقوله (وله ما في السموات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد) وكقوله (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره) إلى قوله (. . . لرؤوف رحيم) فإنه إنما فصلت الآية الأولى (بلطيف خبير) لأن ذلك في موضع الرحمة لخلقه بإنزال الغيث، وإخراج النبات من الأرض، ولأنه خبير بمنفعتهم ومضرتهم، في

إنزال الغيث وغيره، فأما الآية الثانية فإنما فصلت (بغني حميد) لأنه قال (ما في السموات وما في الأرض) فعرف الناس بأن جميع ما في السموات والأرض له لا الحاجة بل هو غني عنها، جواد بها، لأنه ليس كل غني نافعاً بغناه إلا إذا كان جوادا منعما، وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليه، واستحق عليه الحمد، فذكر الحمد ليدل على أنه الغني النافع بغناه خلقه. وأما الآية الثالثة فإنما فصلت (برؤوف رحيم) لأنه لما عدد للناس ما أنعم به عليهم من تسخير ما في الأرض لهم، وإجراء الفلك في البحر بهم، وتسييرهم في ذلك الهول العظيم، وجعله السماء فوقهم، وإمساكه إياها عن الوقوع حسن أن يفصل ذلك بقوله (رؤوف رحيم) أي إن هذا الفعل فعل رؤوف رحيم.

واعلم أيها المتأمل لكتابنا هذا أنه توجد هذه الملاءمة والمناسبة في كلام ناظم أو ناثر. وهذا الباب ليس في علم البيان أكثر نفعاً منه، ولا أعظم فائدة، وهو مع ذلك دقيق المسلك ضيق المذهب، فعليكم - معشر المنتصبين لهذه الصناعة - بتدير مطاويه، وإمعان النظر مشكلاته. وكفى بما أشرنا إليه مثالاً لمن له لب. ومما جاء من هذا الباب في الشعر قول المتنبي:

<<  <   >  >>