للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هذا الباب قول أبي تمام:

ما زال يَهْذي بالمكارم والعُلا ... حتى ظننّا أنَّهُ مَحمومُ

فإنه أراد أن يبالغ في ذكر الممدوح باللهج بالمكارم والعلا، فقال (ما زال يهذي ولا أعلم ما كانت حال أبي تمام، عند قوله هذا البيت، ولا أعلم أي أم اضطره إليه، مع سعة مجال العربية، وانفساح مداها؟! ثم ما كفاه ذلك، حتى قال: (ظننت أنه محموم) وعلى نحو من ذلك، قول بعضهم:

وتلحقه عند المكارم هِزةٌ ... كما انتفض المجهودُ من أمّ مِلْدَم

ومن أقبح ما رأيناه في هذا الفن، قول أبي تمام:

أنت دَلْوُ وذو السَّماح أبو مو ... سى قليب، وأنت دلو القَليْبِ

ومُراد أبي تمام من ذلك، أنه سبب لعطاء المشار اليه، كما أن الدلو سبب في امتياح الماء من القليب. فهذا وأمثاله، مما لا يجوز استعماله، وإن كان المعنى المقصود به حسناً. ولهذا كان لمده ألفاظ، لا يجوز استعمالها في الذم، وللذم ألفاظ لا يجوز استعمالها في المدح، ألا ترى أن من المعاني ما يعبر عنه بألفاظ متعددة، ويكون المعنى المتدرج تحتها واحداً؛ فمن الألفاظ، ما يحسن استعماله في المدح، ومنها مالا يحسن استعماله في الذم، ولو كان هذا الأمر يرجع إلى المعنى فقط لكانت جميع الألفاظ الدالة عليه شرعاً سواءً في الاستعمال، وإنما هذا نعود فيه إلى العرف، دون الأصل. ولنضرب الأصل. ولنضرب لذلك مثالاً، فنقول: هل يجوز أن يخاطب الملك،

<<  <   >  >>