للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكسوها ألفاظاً جميلة ويخرجها في معرض أنيق وصورة حسنة، ويزيد في بداعة تركيبها وجودة تأليفها، فانه إذا فعل ذلك صار أولى بها ممن تقدمه، وأحق بها ممن سبقه إليها. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله

وجهة: (لولا أن الكلام يعاد لنفد).

واعلم أن المعاني مشتركة بين أرباب هذه الصناعة وإنما يتفاضلون في تركيبها واختلاف صورها، وقد قيل: (إن أبا عذر الكلام من سبك لفظه على معناه). والمعنى الجيد جيد وإن كان مسبوقاً إليه، وقد أطبق المتقدمون والمتأخرون على تداول المعاني بينهم، وليس على أحد منهم عيب في ذلك إلا إذا أخذ المعنى بلفظه (أخذة) واحدة فأفسده، وقصر فيه عمن تقدمه. وأما إذا أخذه فأبرزه في لباس جميل وركبه تركيباً أنيقاً وأخرجه في معرض جميل حسن فإنه يكون أحق من مبتدعه، فمن ذلك قول بشار:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج

أخذه سلم الخاسر بعده فقال:

من راقب الناس مات همّاً ... وفاز باللذة الجسور

وهذا البيت أوجز من الأول وأخصر، ولما سمع بذلك بشار قال: (ذهب به ابن الفاعلة) ومن هذا النحو قول بعضهم نثراً (أحق من أثبت لك العذر في حال شغلك من لم يخل ساعة من برك وقت فراغك) أخذه آخر بعده فقال (شكر ما تقدم من إحسانك شاغل عن استبطاء ما تأخر منه) فأني بالمعنى الذي الأول، وزاد عليه زيادة مع الإيجاز والاختصار؛ فأما

<<  <   >  >>