للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاستقدمه وقال له ما لأهل الشام يشكون منك؟ فأخبره، فقال يا أبا ذر لا يمكن حمل الناس على الزهد وإنما عليّ أن أقضي بينهم بحكم الله وأرغبهم في الاقتصاد، فقال أبو ذر لا نرضى من الأغنياء حتى يبذلوا المعروف ويحسنوا للجيران والإخوان ويصلوا القرابة، فقال له كعب الأحبار من أدّى الفريضة فقد قضى ما عليه فضربه أبو ذر فشجه، وقال يا ابن اليهودية ما أنت وهذا! فاستوهب عثمان من كعب شجته فوهبه، ثم استأذن أبو ذر عثمان في الخروج من المدينة وقال إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني

بالخروج منها إذا بلغ البناء سلعًا، فأذن له ونزل بالربذة وبنى بها مسجدًا وأقطعه عثمان صرمة من الإبل وأعطاه مملوكين وأجرى عليه رزقًا وكان يتعاهد المدينة فعدّ أولئك الرهط خروج أبي ذر فيما ينقمونه على عثمان" (١) ".

وقد ثبت بذلك أشياء منها:

أولاً: أن أبا ذر رضي الله عنه لشدة ورعه وزهده وسذاجته انطلى عليه أكاذيب عبد الله بن سبأ، وهو الذي كان يحرضه.

ثانيًا: كان رضي الله عنه يقول بأقوال ويدعوا الناس إلى آراء لم يأخذ بها أحد من الصحابة ولم يعمل بها أحد من حكام المسلمين وحتى عليّ لم يعمل بها في إمرته.

ثالثًا: كان معاملة عثمان معه معاملة الرفق والرفيق.

رابعًا: شدة أبي ذر بآرائه وأفكاره، وضربه كعب الأحبار وجرحه إياه.

خامسًا: شفاعة عثمان إلى كعب الأحبار لعدم الاقتصاص منه وطلبه العفو والسمح.


(١) - ابن خلدون: ج٢ ص١٣٩

<<  <   >  >>