للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة «القمر»]

وبعد سورة الطارق مع هذا البيان الذى فصّل للناس فيها تنزل سورة القمر لتذكر الناس باقتراب الساعة وظهور أدلة صدق النبى صلّى الله عليه وسلم وإعراض المشركين وتقديم أخبار السابقين من الهالكين حتى يكون لهم فى أنبائهم مزدجر، فالسورة مكية كلّها فى قول الجمهور. وأما مقاتل «فيستثنى ثلاث آيات هى قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) فيقول مقاتل فى ذلك: ضرب أبو جهل فرسه يوم بدر فتقدم من الصف وقال: نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه فأنزل الله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) ولكن القرطبى لا يرى صحة هذا «١» ويورد قول سعيد بن جبير قال سعد بن أبى وقاص: لما نزل قوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) كنت لا أدرى أىّ الجمع ينهزم، فلما كان يوم بدر رأيت النبى صلّى الله عليه وسلم يثب فى الدرع ويقول: «اللهم إن قريشا جاءتك تحادّك وتحادّ رسولك بفخرها وخيلائها فأخنهم «٢» الغداة» - ثم قال: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)» فعرفت تأويلها.

وهذا من معجزات النبى صلّى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر عن غيب فكان كما أخبر. وقال ابن عباس:

كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين فالآية على هذا مكية «٣». وفى البخارى عن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها قالت: لقد أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلم بمكة وإنى لجارية ألعب:

بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦)، وعن ابن عباس أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال وهو فى قبّة له يوم بدر: «أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا» فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده وقال: حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك؛ وهو فى الدّرع فخرج وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ يريد القيامة وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) أى أدهى وأمرّ مما لحقهم يوم بدر «٣».

وفى سبب نزولها أخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن أنس: أن أهل مكة سألوا


(١) تفسير القرطبى ١٧/ ١٢٥، ١٤٦، وفتح القدير ٥/ ١١٩.
(٢) أخنى عليه الدهر: أى أتى عليه وأهلكه ومنه قول النابغة:
«أخنى عليه الذى أخنى على لبد».
تفسير القرطبى ١٧/ ١٤٦.
(٣) القرطبى ١٧٠/ ١٤٦.

<<  <   >  >>