للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[نقل الناس من الضلال إلى الهدى]

إن تناول المنهج الذى يناسب حالة هؤلاء، وكيف ينقلون من الضلال إلى الهدى ومن الظلمات إلى النور، وهل يناسب هذا المنهج أن ينزل القرآن جملة واحدة أم أن يكون نزوله كما أنزله الحق تبارك وتعالى مفرقا؟

إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: ٩]، وقد جعل من أسس توجيهاته للناس ألا يتبعوا ما لم يعلموا فقال تعالى: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: ٣٦] فالعلم أولا ثم العمل، فكيف يعلم هؤلاء؟ هل التعليم الذى يكون محتواه متناولا لجوانب متعددة من عقيدة وأخلاق وأحكام عملية تتمثل فى عبادات ومعاملات وما يدور حول هذا المحتوى من المعانى يصلح أن يكون جملة أم أن يعلم بالمنهج الجزئى؟ لقد فهم أحد علماء الأمة الأوائل هذه الحقيقة فصاغها فى عبارة تجرى مجرى الأمثال فقال معمر بن راشد الصنعانى وهو أول من جمع العلم باليمن: «من أخذ العلم جملة ذهب منه جملة». وهو يعنى بهذا أن المنهج الجزئى الذى تستوعب فيه المسائل الجزئية مسألة مسألة هو الذى يثبت فى القلب ثبوتا مصحوبا بالفهم والحفظ وهو الذى يثبّت ويمكّن صاحبه من العمل المصحوب بالدليل، وهو الذى يعين كذلك على تبليغ هذا العلم للآخرين. هذه الحقيقة تؤكد أن من أجلّ الحكم أن ينزل القرآن الكريم مفرقا ليسهل على الناس استقباله بالفهم والحفظ والعمل والتبليغ والتعليم.

الجانب الثانى: من المنهج أن الرسول صلّى الله عليه وسلم يقوم بهذا الوحى بتزكية الناس وتربيتهم ونقلهم من حالة إلى أخرى وهذا يقتضى منه أمرين:

الأول: هدم السيئ من الماضى.

الثانى: إقامة البناء الجديد بصيغته الربانية.

وهذه التربية بجزأيها تحتاج إلى وقت، وتحتاج إلى فترات تربوية متكررة تعالج فيها القلوب والنفوس، ويهذب السلوك تدريجيا، ويكون لكل مرحلة ما يلائمها حتى يصل بها إلى الهداية والرشاد، ولنضرب لذلك بعض الأمثلة. قلنا إن النفوس فى الجاهلية كانت نفوسا ضعيفة لا تقوى على مواجهة ما يصيبها من خير أو شر، فالخير يدفعها إلى الكبر والبطر، والمصيبة تلقى بها فى دائرة اليأس. فكيف تعالج هذه النفوس؟ إنها فى

<<  <   >  >>