للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسانده ويدافع عنه، ولا يملك النصر لنفسه ولا المنعة، ولا يجد القوة التي يواجه بها الطغيان.

وهذه هي الصورة البارزة للفتنة، ولكنها ليست أعنف صور الفتنة، فهناك فتن كثيرة في صور شتى، ربما كانت هي أمر وأدهى.

هناك فتنة الأهل والأحباء الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه، وهو لا يملك عنهم دفعاً.

وقد يهتفون به ليسالم أويستسلم، وينادونه باسم الحب والقرابة، واتقاء الله في الرحم التي يعرضها للأذى أو الهلاك.

وهناك فتنة إقبال الدنيا على المبطلين، ورؤية الناس لهم ناجحين ومرموقين، تهتف لهم الدنيا، وتصاغ لهم الأمجاد، وهو مهمل منكر لا يحس به أحد، ولا يحامي عنه أحد، ولا تقضي له حاجة، ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه، إلا القليلون من أمثاله، الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئاً.

وهناك كذلك فتنة الغربة في البيئة، حين يرى المؤمن كل من حوله غارقاً في تيار الضلالة، سابحاً في بحر الشهوات، وهو وحده موحش غريب طريد.

وهناك كذلك فتنة من نوع آخر، فتنة أن يجد المؤمن أمماً ودولاً غارقة في الرذيلة، وهي مع ذلك راقية في مجتمعها، يجد الفرد فيها من الرعاية والحماية ما يناسب قيمة الإنسان، ويجدها غنية قوية، وهي مشاقة لله ورسوله.

وهناك فتنة أكبر من هذا كله، إنها فتنة النفس والشهوة، وجاذبية الأرض، والرغبة في المتاع والسلطان، وفي الدعة والراحة، وصعوبة الاستقامة على صراط الله، مع المعوقات والمثبطات في أعماق النفس، وفي ملابسات الحياة، وفي منطق البيئة.

فإذا طال الأمد، وأبطأ نصر الله، كانت الفتنة أشد وأقسى، وكان الابتلاء أشد وأعنف، ولم يثبت إلا من عصم الله.

وهؤلاء هم الذين يحققون في أنفسهم حقيقة الإيمان، ويؤتمنون على تلك

<<  <  ج: ص:  >  >>