للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأراد سبحانه ابتلاءهم وأمرهم ونهيهم، فأهبطهم إلى الأرض، وعوضهم بذلك أفضل الثواب الذي لم يكن لينال بدون الأمر والنهي.

وأراد عزَّ وجلَّ أن يتخذ من بني آدم رسلاً وأنبياء، وأولياء وشهداء، يحبهم ويحبونه، فخلى بينهم وبين أعدائه وامتحنهم بهم في هذه الدار.

فلما آثروه وبذلوا نفوسهم وأموالهم في مرضاته ومحابه، نالوا من محبته ورضوانه والقرب منه ما لم يكن لينال بدون ذلك أصلاً، ولم يكن ينال هذا إلا على الوجه الذي قدره وقضاه من إهباطه إلى الأرض.

والله سبحانه له الأسماء الحسنى، فمن أسمائه الغفور الرحيم، العفو الحليم، القاهر القادر، الكريم الرزاق، التواب الخلاق.

وهو الذي يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويعطي ويمنع، ويرزق ويشفي.

ولا بدَّ من ظهور أثر هذه الأسماء وغيرها، فاقتضت حكمته سبحانه أن ينزل آدم وذريته داراً يظهر عليهم فيها أثر أسمائه الحسنى وصفاته العلا.

فيغفر لمن يشاء .. ويعذب من يشاء .. ويرحم من يشاء .. ويعز من يشاء .. ويذل من يشاء .. ويعطي من يشاء .. ويمنع من يشاء، إلى غير ذلك ..

وكذلك الله تبارك وتعالى هو الملك الحق المبين، والملك الذي هو الذي يأمر وينهى، ويعز ويذل، ويكرم ويهين، ويثيب ويعاقب.

فاقتضت حكمته سبحانه أن ينزل آدم وذريته داراً تجري عليهم فيها أوامر الملك، ثم ينقلهم إلى دار تتم عليهم فيها أحكام الملك.

وأيضا فإنه سبحانه أنزلهم إلى دار يكون إيمانهم فيها بالغيب، فلو خلقوا في دار النعيم، لم ينالوا درجة الإيمان بالغيب، واللذة والكرامة الحاصلة بذلك لا تحصل بدونه.

والله سبحانه خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، والأرض فيها الطيب والخبيث، والكريم واللئيم، والسهل والحزن.

فعلم سبحانه أن في ظهره من لا يصلح لمساكنته في داره، فأنزله وذريته إلى دار

<<  <  ج: ص:  >  >>