للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنفس واحدة باعتبار ذاتها، وثلاث باعتبار صفاتها:

نفس مطمئنة .. ونفس لوامة .. ونفس أمارة بالسوء.

فالنفس إذا سكنت إلى الله واطمأنت بذكره، وأنابت إليه، واشتاقت إليه، وأنست بقربه، فهي المطمئنة، وهي التي يقال لها عند الموت: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)} [الفجر: ٢٧ - ٣٠].

وحقيقة الطمأنينة: السكون والاستقرار، فهي التي قد سكنت إلى ربها وطاعته وأمره وذكره، ولم تسكن إلى أحدٍ سواه.

فقد اطمأنت إلى محبته وعبوديته وذكره .. واطمأنت إلى أمره ونهيه وخبره .. واطمأنت إلى لقائه ووعده .. واطمأنت إلى قضائه وقدره .. واطمأنت إلى كفايته وحسبه .. واطمأنت إلى التصديق بحقائق أسماء الله وصفاته .. واطمأنت بأن الله وحده ربها وإلهها ومعبودها ومليكها .. ومالك أمرها كله .. وأن مرجعها إليه .. وأنه لا غنى لها عنه طرفة عين .. واطمأنت إلى الرضى بالله ربًا .. وبالإسلام دينًا .. وبمحمد رسولاً.

والنفس الأمارة بالسوء هي التي بضد ذلك تأمر صاحبها بالسوء .. وبما تهواه من شهوات الغي والباطل .. فهي مأوى كل سوء .. وإن أطاعها العبد قادته إلى كل قبيح .. وساقته إلى كل مكروه .. وهي التي ذكرها الله بقوله: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣)} [يوسف: ٥٣].

وعادة النفس ودأبها الأمر بالسوء إلا إذا رحمها الله، وجعلها زاكية تأمر صاحبها بالخير، فذلك من رحمة الله لا منها، فإنها بذاتها أمارة بالسوء، لأنها في الأصل خلقت جاهلة ظالمة إلا من رحمه الله، والعدل والعلم طارئ عليها بإلهام ربها وفاطرها لها ذلك.

فإذا الله لم يلهمها رشدها، بقيت على ظلمها وجهلها، فلم تكن أمارة إلا بموجب الجهل والظلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>