للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يصلحون .. ويحسبون أنهم على شيء .. وهم ليسوا على شيء.

إن الإنسان لا يكون سويًا ولا مأمونًا ولا صالحًا، حتى يسير على منهج الله الذي خلقه من تراب، ونفخ فيه من روحه.

والتوازن بين خصائص العناصر الطينية في الإنسان، والعناصر العلوية، هو الأفق الأعلى، الذي يطلب إليه أن يبلغه، وهو الكمال البشري المقدر له.

فليس مطلوبًا من الإنسان أن يتخلى عن طبيعة أحد عنصريه ومطالبه ليكون ملكًا، أو ليكون حيوانًا، وليس واحد منهما هو الكمال المنشود للإنسان، ولا الحكمة التي خلق الله من أجلها الإنسان.

فإن الله عزَّ وجلَّ جعل المخلوقات ثلاثة أقسام:

أحدها: ظلوم جهول وهو الآدمي.

الثاني: عالم عادل لا يتطرق إليه الجهل والظلم وهم الملائكة.

الثالث: من ليس بعالم ولا عادل، ولا من شأنه أن يكسب ذلك كالبهائم.

فالبهائم فانية بمراد نفسها عن مراد غيرها .. والملائكة فانية عن مراد نفسها باقية بمراد ربها منقادة مطيعة له.

والآدمي أودع الله فيه قوتين:

قوة ملكية .. وقوة بهيمية.

فتارة يفنى بمراد نفسه، وتارة يفنى بمراد ربه، وبين القوتين تجاذبًا وتزاحمًا، فالملكية تجذب إلى العلو، والبهيمية تجذب إلى السفل، وإذا برزت إحداهما كمنت الأخرى، وهذا سر التكليف.

والله عزَّ وجلَّ يمد هذه .. ويمد هذه .. حسب الطلب: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠)} [الإسراء: ٢٠].

والإنسان مركب من جسد وروح، ولكل واحد منهما غذاء خاص، والذي يحاول أن يعطل طاقات الإنسان الجسدية الحيوانية، هو كالذي يحاول أن يعطل طاقاته الروحية، كلاهما يخرج على سواء فطرته، ويريد من نفسه ما لم

<<  <  ج: ص:  >  >>