للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهوى والشهوة، وأعسر الصبر ما كان على الهوى والشهوة، والالتواء والانحراف.

والصبر على السخرية والاستهزاء بهم، فصبروا على الإيمان، وثبتوا على العمل، فلم تزعزعهم عن ذلك شبهة ولا شك، ولا ثناهم عن الإيمان رياسة ولا شهوة ولا مال ولا ولد.

وصبرهم ابتغاء وجه ربهم فقط، طلبًا لمرضاة ربهم، ورجاء القرب منه، والحظوة بثوابه، وهذا الصبر من خصائص أهل الإيمان.

ومن سماتهم حسن علاقتهم بالخالق، ودوام ذكره وشكره والثناء عليه، ودوام ذلك بالصلاة التي يؤدونها كاملة بشروطها وأركانها.

ومن سماتهم حسن علاقتهم بالخلق، ومواساتهم بما يحتاجون إليه من المال وسائر المنافع، يفعلون ذلك سرًا لكمال إخلاصهم، وعلانية ليُقتدى بهم.

ومن صفاتهم: أنهم يدرؤون بالحسنة السيئة، وذلك أشد من مجرد الصبر على الإيذاء والسخرية، إنه الاستعلاء على كبرياء النفس، ورغبتها في دفع السخرية، ورد الأذى، والشفاء من الغيظ، بالصعود إلى أفق أعلى، ودرجة أسمى، درجة السماحة الراضية، التي ترد القبيح بالجميل، وتقابل الجاهل الساخر بالطمأنينة والهدوء، والرحمة والإحسان.

وذلك أفق من العظمة لا يبلغه إلا المؤمنون الصادقون.

فمن أساء إليهم بقول أو فعل لم يقابلوه بفعله، بل قابلوه بالإحسان إليه، فيعطون من حرمهم، ويصلون من قطعهم، ويعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم.

وإذا كانوا يقابلون المسيء بالإحسان، فما ظنك بما يقابلون به المحسن؟.

إن هؤلاء بصفاتهم العالية، رحمة تجري على وجه الأرض، وشمس تجري في جو السماء: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢)} [الرعد: ٢٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>