للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا عقد لم يعقده الله مع خلق غيرهم؛ ليسلموا إليه النفوس التي خلقها له.

وهذا الشراء دليل على أنها محبوبة له، مصطفاة عنده، رضية لديه.

وقدر السلعة يعرف بجلالة قدر مشتريها، وقدر ثمنها، وكمال صفاتها، فإذا عُرف قدر السلعة، وعُرف مشتريها، وعُرف الثمن المبذول فيها عُلم شأنها ومرتبتها في الوجود.

فالسلعة أنت .. والله المشتري .. والثمن الجنة والنظر إلى وجه الرب، وسماع كلامه في دار الأمن والسلام.

{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١)} [التوبة: ١١١].

والله سبحانه لا يصطفي لنفسه إلا أعز الأشياء وأشرفها، وأعظمها قيمة، وإذا كان الله قد اختار العبد لنفسه، وارتضاه لمعرفته ومحبته، وبنى له داراً في جواره وقربه، وجعل ملائكته خدمه يسعون في مصالحه، في يقظته ومنامه، وحياته وموته، ثم إن العبد أبق عن سيده ومالكه معرضاً عن رضاه، ثم لم يكفه ذلك حتى خامر عليه، وصالح عدوه، ووالاه من دونه، وصار من جنده، مؤثراً لمرضاته على مرضاة وليه ومالكه، فقد باع نفسه التي اشتراها منه إلهه ومالكه على عدوه وأبغض خلقه إليه، واستبدل غضبه برضاه، ولعنته بمحبته ورحمته. فلما أبق هذا العبد عن مالكه وسيده أبغضه ومقته؛ لأنه خرج عن ما خلق له، وصار إلى ضد الحال التي هو لها، فاستوجب منه غضبه بدلاً من رضاه، وعقوبته بدلاً من رحمته، فهو سبحانه عفو يحب العفو، محسن يحب الإحسان، كريم يحب الجود فإذا أبق منه العبد، وخامر عليه ذاهباً إلى عدوه، فقد استدعى منه أن يجعل غضبه غالباً على رحمته، وعقوبته على إحسانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>