للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤١ - فقه التفويض]

قال الله تعالى: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٤٤)} [غافر: ٤٤].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأيْمَنِ، وَقُلِ: اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أمْرِي إِلَيْكَ، وَألْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لا مَلْجَأ وَلا مَنْجَى مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ» متفق عليه (١).

التفويض: أن يتبرأ العبد من الحول والقوة، ويفوض الأمر إلى الله.

والتوكل أوسع من التفويض، ولا يستقيم مقام التوكل إلا بالتفويض، فإنه إذا فوض أمره إلى الله اعتمد بقلبه كله عليه بعد تفويضه.

والتفويض على ثلاث درجات:

الأولى: أن يعلم العبد أنه لا يملك قبل عمله استطاعة، فلا يأمن من مكر، ولا ييأس من معونة، ولا يعول على نية.

فاستطاعة العبد بيد الله لا بيده، فهو مالكها دونه، إن لم يعطها له فهو عاجز، فهو لا يتحرك إلا بالله لا بنفسه، فكيف يأمن العبد المكر وهو محرَّك لا محرِّك.

يحركه من حركته بيده، فإن شاء ثبطه وأقعده مع القاعدين كما قال فيمن منعه هذا التوفيق: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (٤٦)} [التوبة: ٤٦].

فهذا مكر الله بالعبد، أن يقطع عنه مواد توفيقه، ويخلي بينه وبين نفسه، ولا يبعث دواعيه، ولا يحركه إلى مراضيه ومحابه.

وليس هذا حقاً على الله فيكون ظالماً بمنعه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بل


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦٣١١) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٧١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>