للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» متفق عليه (١).

وكذلك خلق الحرص، فإنه من أنفع الأخلاق وأوصلها إلى كل خير، وشدة الطلب بحسب قوة الحرص، فلا نقطعها ولكن نوجهها إلى ما ينفع النفس في معادها، ويزكيها بالإيمان والعبادات والطاعات.

فقوة الحرص لا تذم، وإنما يذم صرفها إلى ما يضر الحرص عليه من الشهوات والمعاصي، أو لا ينفع وغيره أنفع للعبد منه.

وكذلك قوة الشهوة من أنفع القوى للعبد، وأوصلها إلى كماله وسعادته، فإنها تثمر المحبة، وبحسب شهوة العبد للكمال والاستقامة يكون طلبه.

وصدق الشهوة وقوتها وكمالها يحمل الإنسان على بيع مشتهى دنيء خسيس بمشتهى أعلى منه، وأجل، وأرفع من الطاعات والحسنات والجنات.

وكذلك خلق الشح والبخل لهما مصرفان:

مصرف محمود نافع للعبد، يحمله على بخله وشحه بزمانه ووقته وأنفاسه أن يضيعها ويسمح بها لمن لا يساوي.

ويشح غايه الشح بحظه ونصيبه من الله أن يبيعه أو يهبه لأحد من الخلق .. ويشح بماله ألا يكون في ميزانه .. وأن يتركه لغيره يتنعم به ويفوته هو أجره وثوابه.

فالشحيح بماله المحب له هو الذي يقدمه بين يديه زاداً لمعاده، أما المصرف المذموم فهو من يشح ويبخل بماله ووقته أن يصرفه فيما يحب الله ورسوله.

وهذه قاعدة مطردة في جميع الصفات والأخلاق.

فالرسل عليهم الصلاة والسلام جاءوا بصرفها عن مجاريها المذمومة، وإلى مجاريها المحمودة.

فجاءوا بصرف قوة الشهوة إلى النكاح والتسري بدلاً من الزنا والسفاح، فصرفوا قوة الشهوة ومجرى الحرام إلى مجرى الحلال الذي يحبه الله عزَّ وجلَّ.


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٧٣)، ومسلم برقم (٨١٦). واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>