للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكم .. ولم يأمر من أكل في نهار رمضان بالإعادة لما ربط الخيطين؛ لأجل التأويل .. ولم يأمر المستحاضة حين تركت الصلاة أن تعيد ما تركت .. ولم يأمر المتمعك في التراب لأجل التيمم بالإعادة مع أنه لم يصب فرض التيمم، وأهل قباء صلوا إلى القبلة المنسوخة بعد بطلانها ولم يعيدوا ما صلوا، بل استداروا في صلاتهم وأتموها؛ لأن الحكم لم يثبت في حقهم إلا بعد بلوغه إليهم.

أما في المعاملات فإن الله تعالى أمر المؤمنين بترك ما بقي من الربا بعد الإسلام وهو ما لم يقبض، ولم يأمرهم برد المقبوض؛ لأنهم قبضوه قبل التحريم كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨)} [البقرة: ٢٧٨].

وفي القصاص لم يضمن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسامة قتيله بعد إسلامه بقصاص ولا دية ولا كفارة.

ولله عزَّ وجلَّ على كل عبد نوعان من الحقوق:

أحدها: أمره ونهيه الذي هو محض حقه عليه.

الثاني: شكر نعمه التي أنعم بها عليه.

فالله سبحانه يطالب العباد بشكر نعمه، وبالقيام بأمره، فمشهد الواجب عليه لا يزال يشهده تقصيره وتفريطه، وأنه محتاج إلى عفو الله ومغفرته.

وكلما كان العبد أفقه في دين الله كان شهوده للواجب عليه أتم، وشهوده لتقصيره أعظم، فليس الدين بمجرد ترك المحرمات الظاهرة، بل بالقيام مع ذلك بالأوامر المحبوبة لله كالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، وأقل الناس ديناً وأمقتهم عند الله من ترك هذه الواجبات وإن زهد في الدنيا بأجمعها.

والله سبحانه يتصرف في خلقه بملكه وحمده وعدله وإحسانه، فهو سبحانه على صراط مستقيم:

في قوله وفعله .. وشرعه وقدره .. وأمره ونهيه .. وعطائه ومنعه .. ونفعه وضره ..

<<  <  ج: ص:  >  >>