للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما يؤثر سمها إذا عضت واحتدت، فإنها تتكيف بكيفية الغضب والخبث فتُحدث فيها تلك الكيفية السم، فتؤثر في الملسوع، وربما تؤثر بمجرد نظرة.

وإذا كان هذا في الحيات، فما الظن في النفوس البشرية الشريرة الغضبية الحاسدة، إذا تكيفت بكيفيتها الغضبية، وانسمت وتوجهت إلى المحسود بكيفيتها، فلله كم لها من قتيل وعليل وسقيم؟.

ومن له أدنى فطنة، ولطفت روحه، شاهد أحوال الأرواح وتأثيرها وتحريكها للأجسام، ورأى الأجسام كالخشب الملقى.

فلا نسبة لعالم الأجسام إلى عالم الأرواح، بل هو أعظم وأوسع، وعجائبه أبهر، وآياته أعجب.

فالهيكل الإنساني إذا فارقته الروح صار بمنزلة الخشب أو القطعة من اللحم.

فأين ذهبت تلك العلوم والمعارف والعقل والكلام والسمع والبصر، وتلك الأفعال العجيبة، والأفكار والتدبيرات؟.

كلها ذهبت مع الروح، وبقي الهيكل هو والتراب سواء.

وهل يخاطبك في الإنسان أو يراك، أو يحبك أو يبغضك، أو يواليك أو يعاديك، أو يؤنسك أو يوحشك، إلا ذلك الأمر الذي وراء الهيكل المشاهد بالبصر.

والعاين والحاسد يفترقان في شيء، ويشتركان في شيء:

فيشتركان في أن كل واحد منهما تتكيف نفسه، وتتوجه نحو من يريد أذاه.

فالعاين: تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته.

والحاسد: يحصل له ذلك عند غيب المحسود وحضوره أيضاً.

ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده من جماد أو نبات أو حيوان أو مال، وإن كان لا يكاد ينفك من حسد صاحبه، وربما أصابت عينه نفسه، فإن رؤيته للشيء رؤية تعجب وتحديق، مع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر في المعين كما قال سبحانه: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>