للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويغفل الشيطان عن استعداد الإنسان للخير والهداية، واستعداده للشر والغواية، وعن حالته التي يكون فيها متصلاً بالله، فيرتفع ويسمو ويعتصم من الشر والغواية.

ويغفل عن أن هذه هي مزية هذا المخلوق التي ترفعه على ذوي الطبيعة المفردة، التي لا تعرف إلا طريقاً واحداً تسلكه بلا إرادة كالملائكة.

ويشاء الله عزَّ وجلَّ أن يطلق لرسول الشر والغواية الزمام، يحاول محاولته مع بني آدم: {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (٦٣)} [الإسراء: ٦٣].

اذهب فحاول محاولتك، اذهب مأذوناً لك في إغوائهم، فهم مزودون بالعقل والإرادة، يملكون أن يتبعوك .. ويملكون أن يعرضوا عنك.

فمن تبعك منهم مغلِّباً جانب الغواية في نفسه على جانب الهداية، معرضاً عن نداء الرحمن إلى نداء الشيطان، غافلاً عن آيات الله في الكون، وآيات الله المصاحبة للرسالات، فإن جهنم جزاؤكم أنت وتابعوك.

واستخدم في إضلالهم جميع وسائل الغواية والإضلال للاستيلاء على القلوب والعقول والمشاعر، وعِدْهم بما يغريهم بما تريد من المعاصي، كالوعد بالإفلات من العقوبة والقصاص، والوعد بالغنى من الأسباب الحرام، والوعد بالغلبة والفوز بالوسائل القذرة والخسيسة، والوعد بالعفو والمغفرة بعد الذنب والخطيئة.

فالشيطان يزين للإنسان المعصية، وهو يلوح له بسعة الرحمة الإلهية، وشمول العفو والمغفرة، ولكن هناك من لا سلطان لك عليهم؛ لأنهم مزودون بحصانة تمنعهم منك ومن خيلك ورَجِلك كما قال سبحانه: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢)} ... [الحجر: ٤٢].

فمتى اتصل القلب بالله .. واتجه إليه بالعبادة .. وارتبط بالعروة الوثقى .. فلا سلطن حينئذ للشيطان عليه .. وكفى بربك وكيلاً يعصم وينصر، ويبطل كيد الشيطان.

<<  <  ج: ص:  >  >>