للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأهان نفسه من حيث أراد تعظيمها .. ووضعها من حيث أراد رفعتها .. وأذلها من حيث أراد عزها .. وآلمها من حيث أراد لذتها .. وفعل بنفسه ما لو اجتهد أعظم أعدائه في مضرته لم يبلغ ذلك منه.

ومن كان هذا غشه لنفسه، فكيف يسمع منه العاقل ويقبل منه ويواليه؟.

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (٥٠)} [الكهف: ٥٠].

وأما كيده للأبوين (آدم وحواء) فلم يزل يخدعهما ويعدهما ويمنيهما الخلود في الجنة، حتى حلف لهما أنه ناصح لهما، فاطمأنا إلى قوله، وأجاباه إلى ما طلب منهما، فجرى عليهما من المحنة والخروج من الجنة ما جرى، وذلك بمكره وكيده الذي جرى به القلم، وسبق به القدر.

ورد الله سبحانه كيد الشيطان عليه، وتدارك الأبوين برحمته ومغفرته، فأعادهما إلى الجنة على أحسن الأحوال وأجملها، وعاد عاقبة أمره عليه: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧)} ... [البقرة: ٣٧].

وأما كيد الشيطان لذرية آدم، فلا يزال الشيطان بمكره وكيده يسوق الناس إلى المعاصي والمنكرات والفواحش والآثام: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (١١٩)} [النساء: ١١٨ - ١١٩].

ومن كيد الشيطان للإنسان أنه يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه، فلا يجاهدونهم، ولا يأمرونهم بالمعروف، ولا ينهونهم عن المنكر، وهذا من أعظم كيده بأهل الإيمان: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)} ... [آل عمران: ١٧٥].

ومن كيده أنه يورد الإنسان الموارد التي يخيل إليه أن فيها منفعته ومسرته، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>