للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرشهم، تحن وتئن إلى الملأ الأعلى حنين الطيور إلى أوكارها.

فإذا استيقظ هذا القلب من أوكاره، صعد إلى الله بهمته وحبه، مشتاقاً إليه، طالباً له، محتاجاً إليه، عاكفاً عليه.

فحاله كحال المحب الذي غاب عنه محبوبه الذي لا غنى له عنه، ولا بدَّ له منه، فهو آخر خطراته عند منامه، وأولها عند استيقاظه، فإذا استيقظ أحدهم وقد بدر إلى قلبه هذا الشأن، فأول ما يجري على لسانه ذكر محبوبه، والتوجه إليه، واستعطافه، والتملق بين يديه، والاستعانة به أن لا يخلي بينه وبين نفسه، وأن لا يكله إليها، فيكله إلى ضعة وعجز، وذنب وخطيئة.

بل يكلؤه كلاءة الوليد الذي لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاَ، ولا موتاَ ولا حياة ولا نشوراً.

فإذا انتبه من نومه قال: «لا إلَهَ إلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لله، وَسُبْحَانَ الله، وَلا إلَهَ إلا الله، والله أكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بالله» أخرجه البخاري (١).

فأول ما يبدأ به إذا قام من النوم أن يقول: «الْحَمْدُ لله الَّذِي أحْيَانَا بَعْدَ مَا أمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» متفق عليه (٢).

يقولها متدبراً لمعناها من ذكر نعمة الله عليه بأن أحياه بعد نومه الذي هو أخو الموت، وأعاده إلى حاله سوياً سليماً محفوظاً مما لا يعلمه، ولا يخطر بباله من المؤذيات والمهلكات والتي كلها تقصده بالهلاك والأذى، والتي من بعضها شياطين الإنس والجن.

فالذي يكلؤه ويحرسه في نومه ويقظته هو الله وحده، فليحمده على هذه النعمة:

{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢)} [الأنبياء: ٤٢].


(١) أخرجه البخاري برقم (١١٥٤).
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦٣١٤) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٧١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>