للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله والدار الآخرة، حتى حضرهم الموت وهم غافلون عما به فوزهم وفلاحهم: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (٢) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)} [التكاثر: ١ - ٨].

فيا حسرة من شغله التكاثر عن ربه إذا عاين تكاثره هباءً منثوراً .. وعلم أن دنياه التي كاثر بها إنما كانت خداعاً وغروراً .. ووجد عاقبة تكاثره عليه لا له .. وخسر هنالك تكاثره .. وبدا له من الله ما لم يكن في حسابه.

وصار تكاثره الذي شغله عن الله والدار الآخرة من أعظم أسباب عذابه، فعذب بتكاثره في دنياه، ثم عذب به في البرزخ، ثم يعذب به في يوم القيامة: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٣٠)} [آل عمران: ٣٠].

فلم يفز مِنْ تكاثره إلا بأن صار من الأقلِّين، ولم يحظ به من علوه به في الدنيا إلا بأن صار مع الأسفلين.

فيا له من تكاثر ما أقله .. ومن غنى جالب لكل فقر .. وخير تُوُصِّل به إلى كل شر، يقول صاحبه إذا انكشف عنه غطاؤه .. يا ليتني قدمت لحياتي، وعملت فيه بطاعة الله قبل وفاتي: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠)} ... [المؤمنون: ٩٩ - ١٠٠].

فهذا المفرط سأل ربه الرجعة ليستقبل العمل الصالح فيما ترك خلفه من ماله وجاهه، وسلطانه وقوته، وأملاكه وأسبابه، فيقال له كلا، لا سبيل لك إلى الرجعى؛ لأن الله يعلم أنه لو رجع فإن سجيته وطبيعته تأبى أن تعمل صالحاً لو أجيب، وإنما ذلك شيء يقوله بلسانه لا بقلبه: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٢٨)} ... [الأنعام: ٢٨].

وكل أحد من مسلم وكافر سوف يسأل عن نعيمه الذي كان فيه في الدنيا هل ناله

<<  <  ج: ص:  >  >>