للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقاً كأنها ساعة من نهار قضاها الخلق في التعارف ثم رحلوا، وكأن الناس دخلوا ثم خرجوا ولم يفعلوا شيئاً سوى التعارف.

فهل هؤلاء الأفراد الذين يتنازعون ويتعاركون فيما بينهم، ويقع بينهم من سوء التفاهم كل ساعة ما يقع، هل هؤلاء تم تعارفهم كما ينبغي؟.

وهل هذه الأمم والشعوب المتناحرة، والدول المتخاصمة، التي تتعارك على الحطام والأعراض، هل هذه عرف بعضها بعضاً؟.

حقاً إنها الخسارة الفادحة لمن جعلوا همهم كله هو هذه الرحلة الخاطفة، وكذبوا بلقاء الله، وشغلوا عنه، فلم يستعدوا لهذا اللقاء بشيء يلقون به ربهم.

ولم يستعدوا كذلك بشيء للإقامة الطويلة في الدار الباقية.

فماذا ينتظر مثل هؤلاء من العذاب والتوبيخ والإهانة؟.

{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠)} [الأحقاف: ٢٠].

والاعتقاد باليوم الآخر ليس طريقاً لنيل الثواب في الآخرة فحسب، وإنما هو كذلك حافز على فعل الخير في الحياة الدنيا، وحافز على إصلاحها وإنمائها حسب أمر الله، على أن يراعى في هذا النماء على أنه ليس هدفاً في ذاته، وإنما هو وسيلة لتحقيق حياة لائقة بالإنسان، الذي نفخ الله فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وكرمه على كثير من خلقه، ورفعه عن درك الحيوان.

ولتكون أهداف حياته أعلى من ضرورات الحيوان، ولتكون دوافعه وغاياته أرفع من دوافع الحيوان وغاياته.

إن الإيمان بالآخرة هو الزمام الذي يكبح الشهوات والنزوات، ويضمن القصد والاعتدال، فالذي لا يؤمن بالآخرة لا يملك أن يحرم نفسه شهوة، أو يكبح فيها نزوة.

فالذي لا يحسب حساب الوقفة بين يدي الله، ولا يتوقع ثواباً ولا عقاباً يوم القيامة، ما الذي يمسكه عن إرضاء شهواته ونزواته، وتحقيق لذاته ورغباته؟:

<<  <  ج: ص:  >  >>