للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشريعة وما عليه سلف هذه الأمة من وجوه:

الأول: أن المصلي مأمور بالتقدم إلى المسجد والقرب من الإمام بنفسه، لا بعصاه ولا بسجادته، وغالب من يصنع ذلك حريص على الصف الأول، لكن هذا الحرص أدى إلى مخالفة السنة.

الثاني: أن فيه مخالفة لأمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإتمام الصف الأول -كما تقدم- وإتمامه مطلوب حتى قبل الإقامة، بدليل قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا" (١).

ومن فهم أنه يدرك فضل الصف الأول وفضيلة التقدم بتقديم عصاه، وأنه يحصل على ذلك ولو جاء متأخرًا فقد أخطأ في الفهم، وأساء التصرف، فإن الفضل لا يحصل بتقدم السجادة، ولا العصا، بل الإنسان نفسه، ولا يبعد أن هذا الشخص يفوته من الأجر ويحصل له من الإثم بقدر تأخره؛ لأنه منع غيره، وخالف أمر الشرع، وكيف يكون مأجورًا بفعل ما نهى عنه الشرع؟

ولا يبعد أن تكون صلاة المتحجر ناقصة؛ لأن المعاصي إذا لم تبطل الأعمال فإنها تنقصها.

الثالث: أن الناس في بيوت الله سواء، لا أحقية إلا للمتقدم، والسبق إلى المساجد يكون بالبدن لا بالعصا، فمن وضع عصاه أو نحوها وتأخر فقد غصب طائفة من المسجد، ومنع السابقين إلى المسجد أن يصلوا فيها، وأن يتموا الصف الأول فالأول، ولا ريب أن السابق يستحق هذا المكان بسبقه، ولكن هذا المتحجر ظلمه حقه فهو عاص بذلك.

ومن تقدم ووجد الصف الأول قد تحجره أحد فصلى في الصفوف المتأخرة كان أفضل وأعظم أجرًا؛ لأنه ما تقدم بنفسه إلا وهو يريد فضيلة السبق وأجر الصف الأول، فمنع ذلك بغير حق، فحصل على الفضل بنيته وقصده، وفات المتحجر الأجر بسبب فعله.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (ليس لأحد أن يتحجر من المسجد شيئًا، لا سجادة يفرشها قبل حضوره، ولا بساطًا، ولا غير ذلك، وليس لغيره أن يصلي عليها بغير إذنه، لكن يرفعها ويصلي مكانها في أصح قولي العلماء، والله أعلم).

وقال أيضًا: (ليس لأحد أن يتقدم ما يفرش له في المسجد ويتأخر هو، وما فرش له لم يكن له حرمة، بل يزال ويصلي مكانه على الصحيح) (٢).

الرابع: أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى أن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير (٣)، قال ابن الأثير: (معناه أن يألف الرجل مكانًا معلومًا من المسجد مخصوصًا به، يصلي فيه، كالبعير لا يأوي من عطن إلا


(١) تقدم تخريجه.
(٢) مجموع الفتاوى (٢٢/ ١٢٣) و (٢٣/ ٤١٠)، وانظر الفتاوى السعدية (ص ١٨٤).
(٣) أخرجه أحمد (٢٤/ ٢٩٢) وأبو داود (٨٦٢) والنسائي (٢/ ٢١٤)، وابن ماجه (١٤٢٩)، والحاكم (١/ ٢٢٩) من طريق جعفر بن عبد الله الأنصاري عن تميم بن محمود، عن عبد الرحمن بن شبل. به. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، مع أنه قال في الميزان (١/ ٣٦٠) في ترجمة: (تميم بن محمود): "قال البخاري: في حديثه نظر، روى عنه عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي" والحق أنه مجهول، فإنه ما روى عنه إلا جعفر الأنصاري - كما ذكر البحاري في تاريخه الكبير (٢/ ١٥٤) وهو راوي الحديث السابق عنه، وقد ذكره العقيلي في "الضعفاء" (١/ ١٧٠) وذكر حديثه هذا. ثم قال: ولا يتابع عليه. اهـ.

<<  <   >  >>