للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأجله (١). قال الترمذي: (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وغيرهم؛ يستحبون استقبال الإمام إذا خطب) (٢).

قال ابن القيم: (وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا خطب قائمًا في الجمعة استدار أصحابه إليه بوجوههم، وكان وجهه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبلهم في وقت الخطبة) (٣) ومن هنا يتبين أن ما يفعله بعض الناس من الاعتماد على جدار أو عمود مستدبرين القبلة ووجه الخطيب أن هذا خلاف المطلوب، وانظر كيف أذن الشرع للخطيب أن يستدبر القبلة ليواجه المصلين فكيف ينصرف بعض الناس ويستدبر القبلة والخطيب؟! فإذا أقبل على الخطيب أنصت له مستمعًا مستفيدًا. قال ابن القيم: (الإنصات للخطبة إذا سمعها واجب في أصح القولين) (٤).

وقد تقدم في حديث سلمان: "ثم ينصت إذا تكلم الإمام" وهو يفيد أن الإنصات من الصفات التي رتبت عليها مغفرة ما بينه وبين الجمعة الأخرى. والمراد: السكوت مطلقًا عن القراءة والذكر والحديث مع غيره، ولا يلزم من تجويز تحية المسجد حال الخطبة -كما تقدم- تجويز الذكر مطلقًا؛ لأن ذلك ثبت بدليل خاص (٥).

إن المقصود من خطبة الجمعة وعظ الناس وتذكيرهم، ولا يتم ذلك وغيره من المقاصد إلا بالإنصات للخطيب والإصغاء إليه، والبعد عن العبث بيد أو لحية أو ساعة أو سبحة أو سواك ونحو ذلك مما يمنع الإقبال، ويشعر بالإعراض وعدم الاهتمام.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من اغتسل ثم أتى الجمعة، فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام" (٦).

وعنه أيضًا -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مسّ الحصا فقد لغا" (٧).

وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "من اغتسل يوم الجمعة ومسّ من طيب امرأته -إن كان لها- ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة؛ كانت كفارة لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا" (٨). ومعنى (لم يلغ): لم يتكلم ولم يشتغل بغير ما ندب إليه.

قال النووي: (قوله: "من مس الحصا فقد لغا": فيه النهي عن مسّ الحصا وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة، وفيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة، والمراد باللغو هنا: الباطل المذموم والمردود) (٩).

وقال ابن الأثير: (جعل المسّ كاللغو؛ لأنه يشغله عن سماع الخطبة، كما يشغله الكلام) (١٠).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب


(١) فتح الباري (٢/ ٤٠٢).
(٢) جامع الترمذي (٣/ ٢٨ مع التحفة).
(٣) زاد المعاد (١/ ٤٣٠).
(٤) زاد المعاد (١/ ٣٧٧).
(٥) انظر الأجوبة النافعة (ص ٥٩).
(٦) رواه مسلم (٨٥٧) (٢٦).
(٧) أخرجه مسلم (٨٥٧) (٢٧).
(٨) رواه أبو داود (٣٤٧)، وابن خزيمة (١٨١٠). قال الألباني: سنده حسن، صحيح أبي داود (١/ ٧١).
(٩) شرح النووي على مسلم (٦/ ٣٩٦).
(١٠) انظر جامع الأصول لابن الأثير (٩/ ٤٢٩).

<<  <   >  >>