للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مغفرة الذنوب واستجابة الدعاء! وهذا فضل من الله ونعمة (١).

وقد ورد عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين" (٢).

وظاهر قوله في الحديث المتقدم: "إذا أمّن الإمام فأمّنوا" أن تأمين المأموم يتأخر عن تأمين الإمام؛ لأنه رتب عليه بالفاء، لكن حديث "إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين" يدل على اقتران تأمين المأموم بتأمين الإمام، ليقارن تأمين الملائكة في السماء، وذلك لأن التأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه، فلذلك لا يتأخر عنه، ويكون معنى قوله: "إذا أمّن الإمام فأمّنوا" أي: إذا شرع في التأمين، وهذا قول الجمهور.

ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بلفظ "إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين فإن الملائكة تقول: آمين، وإن الإمام يقول: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" (٣). فعلل باقتران تأمين الإمام والملائكة.

ولذا قال العلماء: لا تستحب للمأموم مقارنة إمامه في شيء غير التأمين، والله أعلم (٤).

[الصلاة بخشوع:]

اعلم أن الله تعالى أثنى في كتابه العظيم على الخاشعين في صلاتهم. ووعدهم أجرًا عظيمًا فقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٧) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: ١ - ١١].

ولقد بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أثر الخشوع في الصلاة وحضور القلب فيها؛ فقال -عليه الصلاة والسلام- في بيان فضل الوضوء وثوابه: "فإن هو قام، وصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو أهله، وفرغ قلبه لله، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه" (٥).

وعن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها" (٦).

وإن هذا وغيره يحمل المسلم على أن يخشع في صلاته ويقبل على الله تعالى، محاولًا قدر استطاعته التجرد عن كل ما يشغله ويحول بينه وبين الخشوع. يقول ابن كثير -رحمه الله-: ( .. والخشوع في


(١) المصدر السابق (٢/ ٢٦٦).
(٢) أخرجه ابن ماجه (١/ ٢٧٨)، بإسناد صحيح، كما في "الزوائد" للبوصيري (١/ ١٧٦)، وأخرجه ابن خزيمة (١/ ٢٨٨).
(٣) أخرجه أحمد (١٣/ ٩٥)، والنسائي (٢/ ١٤٤)، وإسناده صحيح.
(٤) انظر: فتح الباري لابن رجب (٧/ ٩١)، ولابن حجر (٢/ ٢٦٢).
(٥) هذا جزء من حديث طويل، أخرجه مسلم عن عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- (٨٣٢).
(٦) أخرجه أبو داود (٣/ ٣)، والنسائي في "الكبرى" (١/ ٢١١)، وسنده حسن. صحيح الجامع (٢/ ٦٥).

<<  <   >  >>