للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في قوله: "وأتوها وأنتم تمشون"، فيكون الحديث نهيًا عن الإسراع.

وأما السعي في الآية الكريمة فهو: المضيّ والذهاب. يقال: سعيت في كذا أو إلى كذا: إذا ذهبت إليه وعملت فيه. قال البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب الجمعة: (باب المشي إلى الجمعة. وقول الله جل ذكره: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}، ومن قال: السعي: العمل والذهاب؛ لقول الله تعالى: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: ١٩] ثم ذكر حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون" وتقدم بلفظ آخر، وإيراد البخاري حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في هذا الباب بعد الآية يشعر بأنه يرى أنه لا فرق بين الجمعة وغيرها، كما ذكره الحافظ في الفتح (١). وعلى هذا يكون المراد بالسعي في الآية -والله أعلم- هو المضي إلى الجمعة والذهاب إليها، مع الجد والمبادرة ومراعاة ما جاء في السنة من السكينة والوقار).

قال الراغب الأصفهاني: (السعي: المشي السريع. وهو دون العدو، ويستعمل للجد في الأمر خيرًا كان أو شرًا، قال تعالى: {وَسَعَى فِى خَرَابها} [البقرة: ١١٤]، وقال تعالى: {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: ١٩] وأكثر ما يستعمل في الأفعال المحمودة .. ) (٢). ولا يعارض ما قررناه لك ما ورد في حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- في شأن الكسوف قال: (خسفت الشمس ونحن عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقام يجرّ ثوبه مستعجلًا حتى أتى المسجد)، فإن سبب ذلك فزعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما دل عليه حديث أبي موسى -رضي الله عنه- قال:

(خسفت الشمس فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فزعًا يخشى أن تكون الساعة ... ) (٣).

فتكون هذه السرعة لصلاة الكسوف من الأحوال العارضة؛ لوجود المقتضي لها وهو الفزع، والله أعلم.

[الحكم السادس لا يشبك بين أصابعه]

وهذا من آداب الخروج إلى المسجد التي نهي المصلي عنها، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع، فلا يفعل كذا" وشبك بين أصابعه (٤).

وعن أبي ثمامة الحنّاط أن كعب بن عجرة أدركه وهو يريد المسجد، أدرك أحدهما صاحبه، قال: فوجدني وأنا مشبك بيد، فنهاني عن ذلك وقال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدًا إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة ... " (٥).

فهذا وما قبله دليل على النهي عن تشبيك الأصابع حال المشي إلى المسجد للصلاة؛ لأن هذا العامد


(١) فتح الباري (٢/ ٣٩٠).
(٢) المفردات في غريب القرآن ص ٢٣٣، وانظر مجموع الفتاوى (٢٢/ ٢٥٩)، وحاشية السندي على النسائي (٢/ ١١٤)، والتبيان لابن القيم (ص ٦، ٧).
(٣) حديث أبي بكرة أخرجه البخاري (٩٩٣)، وحديث أبي موسى أخرجه البخاري (١٠١٠)، ومسلم (٩١٢).
(٤) أخرجه الدارمي (١/ ٢٦٧)، والحاكم (١/ ٢٠٦)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. قال الألباني: "وهو كما قالا": (الإرواء: ٢/ ١٠٢).
(٥) أخرجه أبو داود (٥٦٢)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (١/ ١١٢).

<<  <   >  >>